البابا فرنسيس، عودة إلى ينبوع المجمع الفاتيكاني الثاني

نشرت الدائرة الفاتيكانية للاتصالات مقالا لأندريا تورنييلي يحلل فيه كتابا بعنوان “فرنسيس. الطريق الأساسي” يتأمل في تعليم البابا فرنسيس وارتباطه بالمجمع الفاتيكاني الثاني.
أندريا تورنييلي
خلال سنوات حبريته الاثنتي عشرة ومثلما لمَّح البعض بدا البابا فرنسيس وكأنه يتكلم أقل عن المجمع الفاتيكاني الثاني مقارنة بأسلافه القريبين. وليس هذا نوعا من النسيان، بل ببساطة لأن المجمع الأخير كان البوصلة التي لا غنى عنها للتوجه وفي الوقت ذاته قناة المجرى الطبيعية التي يتدفق فيها تعليم خليفة القديس بطرس الذي جاء “من نهاية العالم تقريبا”. وإن كان البابوات السابقون، من بولس السادس حتى بندكتس السادس عشر، قد عاشوا بشكل شخصي أعمال المجمع وكان عليهم أن يقودوا التحول غير السهل في سنوات المعارضة المضطربة، حيث كان عليهم في المقام الأول شرح المجمع ثم الدفاع عنه، فإن فرنسيس قد كان أسقف روما الأول الذي عاش حياته الكهنوتية والأسقفية بالكامل في زمن المجمع.
لقد كان العثور على الإحداثيات العميقة لتعليم البابا فرنسيس وارتباطها بينبوع المجمع ما فعلت بشكل واضح وعميق ستيفانيا فالاسكا صحفية جريدة “أفينيري”، والتي كانت تعرف خورخي ماريو برغوليو منذ أن كان أسقف بوينس أيرس، في كتابها “فرنسيس. الطريق الأساسي” الصادر عن دار سان باولو للنشر. وللكتاب قيمة ثمينة للتعرف على الخطوط المحورية لتعليم فرنسيس على خطى المجمع: العودة إلى المصادر الإنجيلية، الرسالة المتجددة، السينودسية كأسلوب وشكل مؤسِّس للكنيسة ولشركتها، الخدمة في الفقر وفي حوار مع الزمن المعاصر، البحث عن الوحدة مع الأخوة المسيحيين، الحوار بين الأديان، السعي إلى السلام.
إن العمل الدقيق للصحفية فالاسكا يجعلنا في المقام الأول، بفضل حوار أجرته مع الكاردينال رئيس أساقفة بوينس أيرس في أباريسيدا سنة ٢٠٠٧ خلال الجمعية العامة لمجلس أساقفة أمريكا اللاتينية والكاريب، نفهم الرؤية الكنسية لمن سيصبح أسقف روما. لقد ساهم الكاردينال برغوليو في صياغة الوثيقة الختامية لتلك الجمعية العامة، وثيقة تكشف مقاربة رعوية تتمحور حول كنيسة إرسالية، فقيرة من أجل الفقراء، منفتحة على الرحمة ومستعدة للخروج من الذات للقاء الآخر. وهذه كلها مواضيع شكلت الخيط الأحمر لحبرية فرنسيس.
يظهر من صفحات الكتاب بوضوح ما هي بوصلة البابا فرنسيس. “لست أنا – قال البابا في مقابلة أجرتها معه فالاسكا لجريدة “أفينيري” في تشرين الثاني نوفمبر ٢٠١٦ – هذه هي المسيرة التي تتواصل منذ المجمع والتي تتعزز. أنا أتبع الكنيسة. لم أقم بأي تسريع. إن أسلوبنا في السير قدما يجعل هذه المسيرة تبدو أكثر سرعة”. لقد عاش البابا مواصلة تعليم المجمع وتطبيقه بشكل كامل كمسيرة طبيعية: “أنا أتبع الكنيسة”. إنها كلمات تكشف في بساطتها نظرته لطبيعة الكنيسة وللخدمة البطرسية.
من خلال ثمانية طرق مجمعية رئيسية وثمانية فصول تتعمق فيها تُقدم فالاسكا أفعال وكلمات وتعليم البابا الأرجنتيني على خطى الدستورَين المجمعيين “نور الأمم” Lumen Gentium و”فرح ورجاء” Gaudium et Spes لتحملنا إلى الإرشاد الرسولي “إعلان الإنجيل” Evangelii nuntiandi للبابا بولس السادس وإلى وثيقة أباراسيدا التي ذُكرت من قبل، أساس الإرشاد الرسولي الأول للبابا فرنسيس “فرح الإنجيل” Evangelii gaudium من سنة ٢٠١٣. وتقول الكاتبة والصحفية إن اتِّباع الكنيسة على خطى التقاليد التي تسير إلى الأمام منذ المجمع بالنسبة لفرنسيس يعني العودة إلى إرث المجمع والسير به قدما، هذا الإرث الذي كان إعادة قراءة للإنجيل في نور الثقافة المعاصرة. يعني إعادة اكتشاف الطبيعة المؤسِّسة للكنيسة، دواء الرحمة، ودعوة شعب الله بكامله إلى ارتداد إرسالي في السينودسية وفي خدمة الفقراء. يعني السير على الطريق الذي الكنيسة هي مدعوة للسير عليه: الحوار. يجب السير بالتالي في أفق كنسي وإكلسيولوجي، لأننا حين نتكلم عن الحوار في الكنيسة نقول colloquium salutis مثلما كتب البابا بولس السادس في الرسالة العامة في “كنيسة المسيح” Ecclesiam suam التي تشير إلى الطريق التي على الكنيسة السير عليها اليوم في رسالتها.
من الأهمية السير قدما بالواجب المسكوني. وقد قال البابا فرنسيس: “منذ صدور البيان المجمعي في استعادة الوحدة Unitatis redintegratio أكثر من خمسين سنة مضت وإعادة اكتشاف الأخوّة المسيحية القائمة على المعمودية الواحدة والإيمان ذاته بالمسيح، تَقدَّم السير على درب السعي إلى الوحدة إلى الأمام بخطى صغيرة وكبيرة وأعطى ثماره. أواصل اتِّباع هذه الخطوات”. من الأهمية العودة إلى ومواصلة أفق البيان المجمعي حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية “في عصرنا” Nostra aetate والسير قدما بالأخوّة العالمية التي يصفها المجمع. من الأهمية السير إلى الأمام بالحوار مع الأديان الأخرى واعتبارها في خدمة الأخوّة العالمية من أجل السلام في العالم. ومن الأهمية في النهاية لأول بابا يختار اسم قديس أسيزي، قديس السلام “العمل بدون توقف بحثا عن السلام على مثال المسيح – كتبت فالاسكا – usque ad finem، حتى النهاية. حتى اللحظة الأخيرة. “وهكذا – ذكرت مؤلفة الكتاب – سار إلى الأمام بالطرق التي لا تُمحى التي تقوم فيها الكنيسة اليوم بمهمتها، طرق تعليم ترك أثره في زمننا على درب المجمع وعلى خطى التقاليد.
هكذا هنّأ يونان البابا لاون الرّابع عشر!
تيلي لوميار/ نورسات “بفرح كبير وشكر للرّبّ”، هنّأ بطريرك السّريان الكاثوليك ما…