يونيو 1, 2024

اليوبيل الذهبي لمدرسة الورديّةالمنتزه

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي
اليوبيل الذهبي لمدرسة الورديّة
المنتزه – الجمعة 31 أيّار 2024

“روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني” .( لو 4: 18).

١- يسعدني أن أحتفل معكم بيوبيل الخمسين سنة على تأسيس هذه مدرسة المنتزه الخاصّة بجمعيّة راهبات الورديّة المقدّسة. فنرفع ذبيحة شكر لله على النعم التي أفاضها على الراهبات وأهالي طلّابنا والطلّاب والأساتذة والموظّفين؛ وذببيحة استغفار عن الخطايا والنواقص التي صدرت منّا عن قصد أو غير قصد؛ وذبيحة استلهام الروح القدس، لحسن قراءة علامات الأزمنة، واتخاذ ما يلزم من قرارات لمستقبل المدرسة.

٢- لقد تعمّدت هذه المدرسة بمعموديّة الدمّ. فأصيبت ثلاث مرّات: الأولى في سنة 1979، وهي بعد طريّة العود، إذ أُصيبت بثلاث قدائف على القسم الإبتدائيّ والمطبخ والسقف مخلّفة أضرارًا جسيمة. وتلقّت الضربة الثانية سنة 1981، وتضرّر معظم أجنحتها ولا سيما سطح جناح الراهبات. وتلقّت الضربة الثالثة في أوّل شباط سنة 1985 التي أصابت طابقًا بكامله. فشكرن الله على أنّ القذائف كانت تنزل ليلًا، والمدرسة خاليه من الطلّاب. فأعدن الترميم وانطلقن من جديد في خدمتهنّ التربويّة، متّكلات على العناية الإلهيّة.

٣- إنّها الخدمة التربويّة الخاصّة بجمعيّة راهبات الورديّة في لبنان والأراضي المقدّسة وبلدان الخليج. فإنّنا نشكر الراهبات عامّة على حضورهنّ في هذه البلدان، ونشكر اللواتي خدمن في هذه المدرسة بدءًا من سنوات التأسيس مع الأختين جورجيت بطيش المؤسِّسة ورئيسة المدرسة، والأخت برناديت دير مسروب أوّل مديرة عليها. إنّنا نشكرهنّ على الروح التي وضعنها في المدرسة، عملًا متواصلًا، وسهرًا وتضحية حتى إفناء الذات.

٤- “روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني” .( لو 4: 18).
يوم قرأ الربّ يسوع هذا النصّ من كتاب أشعيا النبيّ، قال للجمهور الحاضر في الهيكل ذاك السبت، أنّ هذه الكتابة إنّما كُتبت عنه: “اليوم تمّت هذه الكتابة التي سمعتموها”. إذ تتكلّم عن رسالته في العالم كنبيّ وكاهن وملك، مسحه روح الربّ وأرسله.
كنبيّ أُرسل ليبشّر المساكين، ويفرّج عن المسبيّين، ويعيد البصر للعميان.
وككاهن يجبر منكسري القلوب، ويشدّد المنسحقين بالغفران.
كملك يعلن زمنًا جديدًا للربّ.
وقد أشرك في هذه الرسالة المثلّثة الأبعاد كل الشعب المسيحيّ، بحكم المعموديّة والميرون، ومن بين هؤلاء اختار الأساقفة والكهنة، وبحكم الدرجة المقدّسة سلّمهم سلطانًا إلهيًّا، ليقوموا بهذه الرسالة بحكم سلطانه، لكونهم باسم المسيح وبشخص المسيح يعملون ويقومون بخدمتهم.

٥- لكنّني أتوقّف عند رسالة العلمانيّين الملتزمين بهذه الرسالة المثلّثة الأبعاد، وبرسالة الراهبات والرهبان الذّين اتّخذوا الرسالة بحكم نذورهم الرهبانيّة. إنّ رأسنا المسيح لم يتقبّل وحده المسحة، فنحن أيضًا تقبّلناها معه، لأنّنا جسده. وبسبب هذه المسحة ندعى مسيحيّين، فكلمة “مسيح” مشتقّة من الكلمة اليونانيّة “Chrisma” أي المسحة.

٦- فالعلمانيّون يشاركون في الخدمة النبويّة، لكونهم يتجنّدون لقبول الإنجيل، بالإيمان والتبشير به بالكلمة والأعمال، ولا يتردّدون في التنديد بالشرّ بجرأة، ويشهدون بالروح لقيامة المسيح النبيّ العظيم. فضلًا عن أنّهم مدعوّون لتجسيد جدّة الإنجيل وفعاليّته تجسيدًا يتألّق في حياتهم العائليّة والإجتماعيّة، وللتعبير بحلم وجرأة.
ويشارك العلمانيّون في الخدمة الكهنوتيّة من خلال الإحتفال بسرّ الإفخارستيا، ويتّحدون به لمجد الآب وخلاص البشريّة. ويتّحدون بالمسيح بذبيحة ذواتهم وتقدمة أعمالهم ويقدّمون أعمالهم وصلواتهم ونشاطاتهم الرسوليّة وحياتهم الزوجيّة والعائليّة ونشاطاتهم الرسوليّة، وأشغالهم اليوميّة، قرابين روحيّة تُقدّم إلى جانب قربان الربّ في الإفخارستيّا.
ويشارك العلمانيّون في الخدمة الملوكيّة، بحيث يتقبّلون خدمة ملكوت الله، ونشره في التاريخ. فيعيشون الملوكيّة المسيحيّة، أوّلًا عن طريق الصراع الروحيّ لتدمير سلطان الخطيئة فيهم، وثانيًا من خلال تكريس ذواتهم ليخدموا في المحبّة والعدالة، يسوع نفسه الحاضر في جميع إخوته، ولا سيما أصغرهم (متى 25: 40).

٧- في هذا الإطار، المدرسة الكاثوليكيّة، وأوّلها مدرسة المنتزه مدعوّة كعادتها “لمتابعة أعمالها في خدمة طلّابها وطالباتها، بحيث تؤمّن لهم الأسس الثقافيّة والروحيّة والخلقيّة التي ستجعل منهم مواطنين مسؤولين، ومسيحيّين ناشطين، وشهودًا للإنجيل” (رجاء جديد للبنان، 106).
ولا بدّ من العودة إلى تربيتهم الوطنيّة حول ميزات لبنان التي هي: العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين، وفقًا للميثاق الوطنيّ (1945) والمتجدّد في إتفاق الطائف (1989). ولبنان أرض الحريّة وفقًا لشرعة حقوق الإنسان (1949)، وحياد لبنان وفقًا لطبيعته الأساسيّة بإعلانه في جامعة الدول العربيّة، “وطنًا مساندًا لا محاربًا”. ونظامه: جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة (مقدّة الدستور).

٨- إنّنا نشكر الله معكنّ، أيّتها الراهبات العزيزات، على الخمسين سنة من حياة هذه المدرسة التربويّة ملتمسين بشفاعة أمّنا مريم العذراء سلطانة الورديّة المقدّسة، وبشفاعة القدّيسة الأمّ ماري ألفونسين، أن يباركها في انطلاقتها الجديدة نحو اليوبيل الماسيّ في خدمة أجيالنا اللبنانيّة الطالعة، ويحميها ويحمي الوطن اللبنانيّ من كلّ مكروه، له المجد والتسبيح والشكر، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

‫شاهد أيضًا‬

البابا يصدر إرادة رسولية جديدة بعنوان “الجمال الحقيقي”

أصدر البابا فرنسيس إرادة رسولية بعنوان “الجمال الحقيقي” بهدف تعزيز روح الشركة …