أبريل 14, 2022

كيف هو سلام يسوع؟

كيف هو سلام يسوع؟

في بحر أسبوع الآلام، أطلّ البابا فرنسيس صباحًا، على المؤمنين في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان، وألقى على مسامعهم تعليمه الأسبوعيّ، متناولاً رونق عيد الفصح “العيد الحقيقيّ لله والإنسان”، متوقّفًا عند السّلام الّذي يحمله يسوع إلى العالم في عيد الفصح.

وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب “فاتيكان نيوز”: “نحن في قلب أسبوع الآلام، والّذي يمتدّ من أحد الشّعانين إلى أحد عيد الفصح. يتميّز هذان الأحدان بالعيد الّذي يتمُّ حول يسوع، ولكنّهما عيدان مختلفان.

يوم الأحد الماضي، رأينا المسيح يدخل أورشليم بشكل مهيب، ويتمُّ استقباله كـ”المسيح”: كان النّاس يبسطون له أرديتهم على الطّريق وقطع غيرهم أغصان الشّجر، ففرشوا بها الطّريق. كان الجمع يتهلّل ويبارك بصوت عال “الملك الآتي” ويهتف: “السّلام في السّماء! والمجد في العلى!”. كان هؤلاء الأشخاص يحتفلون لأنّهم رأوا في دخول يسوع مجيء ملك جديد يحمل السّلام والمجد. هذا هو السّلام الّذي كان ينتظره هؤلاء الأشخاص: سلام مجيد، ثمرة تدخّل ملكيّ، وسلام مسيح قويّ يحرّر أورشليم من الاحتلال الرّومانيّ. آخرون ربّما كانوا يحلمون باستعادة السّلام الاجتماعيّ ورأوا في يسوع الملك المثاليّ، الّذي سيطعم الجموع بالأرغفة، كما فعل، وصنع معجزات عظيمة، حاملاً هكذا المزيد من العدالة إلى العالم.

لكن يسوع لم يتحدّث عن هذا أبدًا. أمامه عيد فصح مختلف. والشّيء الوحيد الّذي يهتمّ به في التّحضير لدخوله إلى أورشليم هو ركوب “جحشًا مربوطًا ما ركبه أحد قطّ”. هكذا يحمل المسيح السّلام إلى العالم: من خلال الحُلمِ والوداعة، اللّذين يرمز إليهما ذلك الجحش المربوط، الّذي لم يركبه أحد قطّ. لا أحد، لأنّ أسلوب الله في التّصرُّف يختلف عن أسلوب العالم. إنَّ يسوع في الواقع، وقبل عيد الفصح مباشرة، شرح للتّلاميذ: “السّلام أستودعكم وسلامي أعطيكم. لا أعطي أنا كما يعطي العالم”.

إنَّ السّلام الّذي يمنحنا إيّاه يسوع في عيد الفصح ليس السّلام الّذي يتبع استراتيجيّات العالم، الّذي يؤمن بالحصول عليه بالقوّة، أو بالانتصارات وأشكال الفرض المختلفة. هذا السّلام، في الواقع، ليس سوى فترة بين الحروب. إنَّ سلام الرّبّ يتبع درب الوداعة والصّليب: إنّه حمل مسؤوليّة الآخرين. إنَّ المسيح في الواقع قد أخذ على عاتقه شرّنا وخطيئتنا وموتنا. وهكذا حرّرنا. إنَّ سلامه ليس نتيجة بعض التّنازلات، بل هو يولد من بذل الذّات. لكنَّ هذا السّلام الوديع والشّجاع يصعب قبوله. في الواقع، إنّ الجمع الّذي كان يهلّل ليسوع، هو الجمع عينه الّذي سيصرخ بعد أيّام قليلة “اصلبه”، وإذ كان خائفًا وخائب الأمل، لا يُحرّك ساكنًا من أجله.

في هذا الصّدد، تبقى آنيّة على الدّوام القصّة العظيمة الّتي كتبها دوستويفسكي، والمعروفة بأسطورة المفتِّش الكبير. يقال عن يسوع الّذي عاد إلى الأرض بعد عدّة قرون. فإستقبله على الفور حشد مبتهج عرفه وتهلّل به. ولكن بعد ذلك قبض عليه من المُفتِّش الّذي يمثّل المنطق الدّنيويّ. فاستجوبه هذا الأخير وانتقده بشدّة. وسبب التّوبيخ هو أنّ المسيح، على الرّغم من استطاعته، لم يرغب أبدًا في أن يصبح قيصر، أعظم ملوك هذا العالم، وفضّل أن يترك الإنسان حرًّا بدلاً من أن يُخضعه ويحلّ مشاكله بالقوّة. كان بإمكانه أن يحلَّ السّلام في العالم، ويخضع قلب الإنسان الحرّ وإنّما غير المستقرّ بحكم قوّة أعلى، لكنّه لم يرغب في ذلك. “أنت- قال المفتّش ليسوع- بقبولك العالم وأرجوان القياصرة، كنت ستؤسّس مملكة عالميّة وتعطي السّلام العالميّ”؛ ويختم بجملة قاسية: “إذا كان هناك من يستحقّ نصيبنا أكثر من أيّ أحد آخر، فهو أنت”. إنّه الخداع الّذي يتكرّر في التّاريخ، تجربة سلام زائل، يقوم على القوّة، ويقود بعد ذلك إلى الكراهيّة وخيانة الله.

في النّهاية، بحسب هذه الرّواية أراد المفتّش من يسوع “أن يخبره بشيء، ربّما حتّى شيئًا مريرًا ورهيبًا”. لكن المسيح أجاب بتصرُّف لطيف وملموس: “اقترب منه بصمت وقبَّله بلطف على شفتيه المُسنّتين الضّعيفتين”. إنَّ سلام يسوع لا يسيطر على الآخرين، إنّه ليس أبدًا سلامًا مسلّحًا. إنّ أسلحة الإنجيل هي الصّلاة، والحنان، والغفران، والمحبّة المجّانيّة للقريب، محبّة كلّ قريب. هكذا نحمل سلام الله إلى العالم. ولهذا السّبب يُمثِّل العدوان المسلّح في هذه الأيّام، مثل كلّ حرب، اعتداءً على الله، وخيانة مُجدِّفة لربّ الفصح، وتفضيلاً لوجه إله هذا العالم الزّائف على وجهه الوديع.

قبل فصحه الأخير، قال يسوع لتلاميذه: “لا تضطرب قلوبكم ولا تفزع”. نعم، لأنّه في حين أنّ السّلطة الدّنيويّة لا تترك سوى الدّمار والموت، فإنّ سلامه يبني التّاريخ، بدءًا من قلب كلّ شخص يقبله. وبالتّالي فعيد الفصح هو العيد الحقيقيّ لله والإنسان، لأنّ السّلام الّذي اكتسبه المسيح على الصّليب في عطيّة ذاته، قد وزِّعَ علينا. لذلك ظهر القائم من بين الأموات للتّلاميذ يوم الفصح وكيف حيّاهم؟ قال: “السّلام عليكم!”.

أيّها الإخوة والأخوات، عيد الفصح يعني “العبور”. وإنّها، هذا العام بشكل خاصّ، المناسبة المباركة لكي ننتقل من الإله الدّنيويّ إلى الإله المسيحيّ، من الجشع الّذي نحمله في داخلنا إلى المحبّة الّتي تحرّرنا، من انتظار سلام يحلُّ بالقوّة إلى الالتزام بالشّهادة بشكل ملموس لسلام يسوع. أيّها الإخوة والأخوات لنمثل أمام الصليب، مصدر سلامنا، ولنطلب منه سلام القلب والسّلام في العالم.”

‫شاهد أيضًا‬

البيان الختامي للقمة العالمية لقادة ورموز الأديان

البيان الختامي للقمة العالمية لقادة ورموز الأديان – Vatican News في بيانها الختامي ا…