يوليو 27, 2021

الأب الياس كرم: الحياة الرّهبانيّة وجوه تنظر إلى ملكوت الله

نقل الأب الياس كرم تجربته الخاصّة إثر زيارته أحد الأديار الأرثوذكسيّة النّسائيّة، وخطّها بكلمات صادقة نابعة من شعور لمسه في ذاك الدّير، فكتب:

“حملني واجب رعائيّ، مؤخرًا، لأحجّ إلى أحد الأديار الأرثوذكسيّة النّسائيّة، المتربّعة على تلّة، تحاكي الأرض مع السّماء. وطبيعيّ أن أعود بانطباعات متعدّدة، بعد انقطاع عن زيارة الأديار، بسبب جائحة الكورونا.

عدت بزوّادة روحيّة، مليئة بالأمل والرّجاء. هناك سمعت كلامًا طيّبًا، يخرج من فم الرّاهبات، واللّواتي لا تفارق البسمة وجوههنّ. ملأ كياني وشدّد ضعفي، وحثّني على مواجهة التّحدّيات والصّعاب بدون كلل، والله يستجيب لصلوات المتواضعين.

زيارة أولى تفصيليّة من نوعها لهذا الدّير، الّذي يتبع النّمط الإنطاكيّ التّقليديّ، من حيث الصّلوات والأعمال اليوميّة المتنوّعة، بالإضافة إلى استقبال الزّوّار ورعايتهم، والاستماع إلى شؤونهم وشجونهم، وإبداء النّصح، بما يتلاءم مع كلّ حالة.

ديرٌ شبيه بواحة في صحراء الفراغ الرّوحيّ الّذي يعيشه المؤمنون، يقصدونه ليبلّوا عطشهم الرّوحيّ، في أيّام، يجوع فيها النّاس إلى كلمة طيّبة، تعزّي مشاعرهم المملؤة بالحزن والوجع واليأس والإحباط، والألم النّاتج عن المعاناة اليوميّة لأبناء هذا الوطن.

شعورٌ لا يوصف، لا تستطيع الكلمات أن تعبّر عنه. سيّما وأنا مصغٍ للأمّ الرّئيسة، الّتي استطاعت، أن تجذب إلى الرّبّ، وفي مدّة قصيرة، كوكبة من الصّبايا، الّذين تركوا كلّ شيء وتبعوه.

مفاجأتي كانت صادمة، عندما علمت أنّ تلك المتوحّدات، اللّواتي نذرن أنفسهن للرّبّ، وهنّ في مقتبل العمر، وقد اختاروا المسيح ختنهنّ، لسن إلّا مجموعة نلن شهادات عليا، وفي اختصاصات متنوّعة. وهذا ما ينهي مقولة: (يلّا، يلي ما عندا شي، وعنّست، تفوت عالدّير وتعمل راهبة).

الدّير، الّذي زرته، مملوء من نِعم الرّوح القدس، وأرجو الله أن يكون الرّوح فاعلًا في كلّ الأديار، لأنّ للرّهبنة خصوصيّة منذ أن نشأت في صحراء مصر، مع القدّيس أنطونيوس الكبير، كوكب البرّيّة. في الأديار يمارس الرّهبان والرّاهبات الهدوئيّة المقدّسة ويصلّون لله بلا انقطاع. هذا هو السّبب الّذي لأجله توصف الحياة الرّهبانيّة أنّها متوحّدة، وهادئة. وأيضًا توصف بأنّها حياة قاسية. فالّذين دخلوا الدّير، لأجل عيش الحياة الرّهبانيّة، هدفهم أن يصبحوا خدّامَ الله بالتّمام، لا لاكتساب مظهر الوقار بالمظهر المهيب للزّيّ الرّهبانيّ، فلو كان هذا هدفهم لصارت الرّهبنة رياء لا مثيل له.

ساعتان، كانتا كافيتين لأكوّن فكرة طيّبة عن هذا الدّير، الّذي يسقط سكّانه، بسبب من بشريّتهم، ويسعون لتسلّق سلّم الفضائل مجدّدًا، في جهادات يوميّة، بإشراف أبوّة روحيّة، تحرص على خلاص أنفسهم.

تلك الشّجرة في باحة الدّير، الّتي تفيّينا بأغصانها، شعرنا بنسمات الدّير اللّطيفة في جوارها، ستشهد على كلمات سمعتها لأوّل مرّة، والأهمّ أنّها نابعة من قناعة مطلقة، وتسليم مطلق، وطاعة للرّئاسة الرّوحيّة.

كلمات كثيرة تركت في قلبي وكياني، الفرح والثّقة، بأنّ قاصد الدّير سيعود إلى رعيّته فاعلًا ونشيطًا في العمل الرّعائيّ، وتحت التّعليم، وطائعًا للكلمة. ولا يحمل تمرّدًا أو انفعالات من هذه الدّنيا وتكابر على رعيّته ورعايته، ونظريّات لا تتماشى والرّعاية. فالرّعيّة هي المكان الطّبيعيّ لعيش وحدة الإيمان والشّركة، وكاهن الرّعيّة هو المراقب لسير تدرّج أبنائه سلّم الفضائل والمتابع اليوميّ لهم، والسّاهر على خلاصهم.

بالمقابل، قليل من الكلام الّذي سمعته، ترك عندي تساؤلات، عساها تكون حافزًا وخيرًا لحياتنا الرّوحيّة، فنحن ننظر دائمًا إلى نصف الكوب الملآن.

تركت الدّير وقلبي يملؤه حسد الهدوء الّذي يتنعّم به جمهور هذا الدّير، في حين نحن نتخبّط بعملنا الرّعائيّ اليوميّ، الّذي تتراكم أزماته يوميًّا. ولكن تذكّرت أنّ كلّ واحد منّا يجاهد بطريقته. فالحياة الرّهبانيّة وجوه تنظر إلى ملكوت الله.

الحياة الرّهبانيّة تمتاز بالتّواضع، والطّاعة، والصّلاة، والهدوئيّة المقدّسة. إنّها تختلف تمامًا عن الحياة الدّنيويّة. هذا هو السّبب الّذي يجعل إبليس يحاول إفساد طريقة الحياة الرّهبانيّة. والتّجارب ممكن أن تقتحم الدّير، مع زوّاره وثرثراتهم، ومصادر عديدة، ويمكن أن تخرج من الدّير بتعثّر سكّانه. ولذلك يسعى الرّهبان للخضوع للقوانين الكنسيّة المقدّسة، لأنّها ليست قوانين ووصايا بشريّة، ولا وثائق تشريعيّة، ولكنّها نتاج لنعمة الله الّتي أنارت الآباء القدّيسين لكي يصيغوها من أجل وحدة الكنيسة وخلاص المؤمنين”.

‫شاهد أيضًا‬

بطاركة ورؤساء كنائس القدس يجدّدون النداء من أجل السلام في الأرض المقدّسة

بطاركة ورؤساء كنائس القدس يجدّدون النداء من أجل السلام في الأرض المقدّسة | Abouna جدّد الب…