أغسطس 3, 2021

الأب الياس كرم: فليكن ذكرهم مؤبّدًا!

في الذّكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، نقل الأب الياس كرم اللّحظات المؤلمة التي اختبرها في ذاك اليوم المشؤوم بكلمات صادقة نابعة من أحاسيس ملؤها الحزن والأسى والرّجاء، فكتب:

“لا يموت حقّ وراءه مطالب، قولٌ يُمكن أن يُترحم في دولٍ متحضّرة، يحكمها العدل والقانون والمساواة. في دولٍ فعلًا تعيش معنى “العدل أساس الملك”، لا شعار ترفعه وتتغنّى به.

العدالة في وطني مغيّبة. العدالة في وطني معطّلة وناقصة ومسيّسة. العدالة في وطني تحكمها المذاهب والطّوائف، ويتحكّم بها القادة السّياسيّون، بينما يجب أن تكون منزّهة ومقدّسة عن كلّ عيب.

سنة مرّت على انفجار ٤ آب. أذكر تلك اللّحظة، حيث كنّا مجتمعين في الكنيسة نصلّي خدمة البراكليسي (صلاة تضّرع لوالدة الإله) لمناسبة صوم السّيّدة، الذي يمتدّ لعيد رقادها، وإذ وصل صدى الانفجار إلى مسامعنا في كنيسة القدّيس جاورجيوس في منطقة بسابا (قضاء بعبدا)، حيث اهتزّت أبواب وشبابيك الكنيسة، وحتّى ستائر الهيكل، فكانت ردّة الفعل الأولى، إيقاف الصّلاة، حيث كنّا نتلو المقطع الذي فيه نقول: “تجاربُ كثيرةٌ قد شملتنا أيّتها العذراء، فأليك نلتجىء طالبين الخلاصَ، فيا أمّ الكلمة خلصينا الآن من المصاعب والضّيقات”.

إعتقدنا للوهلة الأولى، كسائر اللّبنانيّين، إمّا غارة إسرائيليّة، أو انفجار استهدف أحد المسؤولين السّياسيّين. أكملنا الصّلاة حسب نصّ الخدمة، لكن كلّ واحدٍ منّا كان يردد في داخله صلاته الخاصّة على نيّة ناسه وأقربائه ومعارفه، وكلُّ واحدٍ منّا في الكنيسة، بات فكره مشوّشًا، من دون تركيز على الكلمات، إنّما أكملنا الصّلاة، والله كان يفعل فعله في نجاة الكثيرين، بشفاعة العذراء مريم.

لم أعرف كيف مرّ الوقت لانتهاء الصّلاة، حيث كلٌّ منّا تناول هاتفه وبدأ باتّصالاته للاطمئنان، ولحظات أسمع صوتًا قائلًا: “نحنا أبونا بخير وبعدنا طيبين”. وابتدأت رحلة الألم والوجع والحزن، وما رافقهم من تدمير وخراب وموت، ما زالت آثارهم لتاريخه، وستبقى إلى جيل بعد جيل، تتحدّث عن هول هذه الفاجعة التي لم يعرف مثلها لبنان منذ أن وجد.

هذه النكبة، قابلتها ثورة حبّ، ترجمها متطوّعون هبّوا لمساعدة المنكوبين، بلسمت الجراح قليلًا، وخفّفت من هول الكارثة إلى حدّ ما. وما زالوا لتاريخه يطيّبون الجراح. ولو أن بعضهم لديه غايات.

في ٤ آب ٢٠٢١، ماذا سنقول للمنكوبين والمعوقين والأرامل والأيتام؟ ماذا سنقول للّذين هُدمت منازلهم وأرزاقهم؟ لا نملك إلّا عبارة واحدة، “الله يعوّض”. ماذا سنقول لأهل الشّهداء غير عبارة “فليكن ذكرهم مؤبدًا”.

هل من أحد يملك جوابًا عن العدالة الضّائعة في دهاليز وزواريب السّياسة والسّياسيّين؟ هل من أحد يملك الجرأة ويبوح بالحقيقة؟ (أو لح يقولوا ما خلّونا!).

في بلد كلبنان تتعطّل فيه لغة الكلام، وتتعزّز لغة الغرائز والانفعالات والتّشنّجات والعصبيّات، والتّطّرف والتّحيّز والمحسوبيّات.

على رجاء أن تتحقق العدالة يومًا ما، لا كلام بشريّ يعزّي النّاس ويبلسم جراحهم، فما لنا إلّا الصّلاة ونقول من خدمة البراكليسي: “إرحمنا يا رب، لأنّنا عليك اتّكلنا، فلا تسخط علينا جدًا ولا تذكر آثامنا، لكن انظرْ الآن بما أنك متحنّن، وأنقذنا من أعدائنا، لأنّك أنت إلهنا ونحن شعبك وكلّنا صُنع يديك وباسمك نُدعى”.

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…