البابا فرنسيس: السعادة الحقيقية والحرية لا تكمنان في الامتلاك بل في المشاركة
“لنطلب من العذراء القديسة أن ترافقنا في بريّة الصوم وتساعدنا في مسيرة ارتدادنا”
هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يحملنا إنجيل اليوم، الأحد الأول من الصوم الكبير، إلى البريّة، حيث قاد الروح القدس يسوع لمدة أربعين يومًا لكي يجربه الشيطان. ترمز البريّة إلى النضال ضد إغراءات الشر، لكي نتعلم أن نختار الحرية الحقيقية. في الواقع، يعيش يسوع خبرة البريّة قبل بدء رسالته العامة. ومن خلال ذلك الصراع الروحي بالتحديد، هو يؤكد بشكل حاسم أي نوع من المسيح ينوي أن يكون. لنلقِ نظرة عن كثب على التجارب التي يحاربها.
تابع البابا فرنسيس يقول توجّه إليه الشيطان مرتين قائلاً: “إن كنت ابن الله …”. بعبارة أخرى، يقترح عليه استغلال منصبه: أولاً لكي يلبّيَ الاحتياجات المادية التي يشعر بها؛ ثم لكي ينمِّيَ سلطته؛ وأخيرًا لكي يحصل على آية من الله. كما ولو كان يقول له: “إن كنت ابن الله فاستغل هذا الأمر!” أي “فكر في ربحك”. إنه اقتراح مغرٍ، لكنه يحمل إلى استعباد القلب: فيجعلنا مهووسين بالرغبة في الامتلاك، ويختزل كل شيء إلى امتلاك الأشياء، والسلطة، والشهرة. هذا هو جوهر التجارب. إنه “سم الأهواء” الذي يتجذر فيه الشر.
أضاف الأب الاقدس يقول لكن المسيح يعارض بأسلوب منتصر مقومات الشر. كيف يقوم بذلك؟ بالإجابة على التجارب بكلمة الله، التي تقول لنا ألا نستفيد من الله والآخرين والأشياء ونستخدمهم لأنفسنا، وألا نستغلَّ مكانتنا لكي نحصل على امتيازات. لأن السعادة الحقيقية والحرية لا تكمنان في الامتلاك بل في المشاركة؛ ولا في الاستفادة من الآخرين، وإنما في محبتهم؛ ولا في هوس السلطة وإنما في فرح الخدمة.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات، هذه التجارب ترافقنا أيضًا في مسيرة الحياة. علينا أن نسهر، لأنها غالبًا ما تقدّم ذاتها ظاهريًّا تحت شكل الخير. في الواقع، إنَّ الشيطان الماكر يستخدم الخداع على الدوام. لقد أراد أن يجعل يسوع يعتقد أن اقتراحاته كانت مفيدة لكي يُظهر حقًا أنّه ابن الله، وهذا ما يفعله معنا نحن أيضًا: غالبًا ما يصل إلينا “بعيون لطيفة”، و”بوجه ملائكي”؛ حتى أنه يعرف كيف يتنكر بدوافع مقدسة ودينية في الظاهر!
أضاف الأب الأقدس يقول إذا استسلمنا لإطراءآته، ينتهي بنا الأمر إلى تبرير زيفنا، وإخفائه بالنوايا الحسنة، كم مرّة سمعنا على سبيل المثال “لقد قمت بأمور غريبة، ولكنني ساعدت الفقراء”؛ “لقد استفدت من دوري، ولكن من أجل أمرٍ خيِّرٍ أيضًا”؛ “لقد استسلمت لغرائزي، لكنني في العمق لم أؤذِ أحداً”، هذه التبريرات وهكذا دواليك. من فضلكم: لا تُساوموا مع الشر! لا يجب أن نتحاور مع التجربة، ولا يجب أن نقع في نوم الضمير الذي يجعلنا نقول: “في العمق، ليس الأمر خطيرًا، الكل يفعل هكذا”! لننظر إلى يسوع الذي لا يبحث عن مساومات ولا يبرم اتفاقات مع الشر. بل يقاوم الشيطان بكلمة الله التي هي أقوى من الشيطان ويتغلب هكذا على التجارب.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول ليكن زمن الصوم هذا أيضًا زمن بريّة بالنسبة لنا. لنأخذ فسحات صمت وصلاة نتوقف خلالها وننظر إلى ما يقلقنا في قلوبنا. ولنصنع وضوحًا داخليًّا، ونضع أنفسنا أمام كلمة الله في الصلاة، لكي تُحدث فينا صراعًا مفيدًا ضد الشر الذي يستعبدنا، نضالًا من أجل الحرية. لنطلب من العذراء القديسة أن ترافقنا في بريّة الصوم وتساعدنا في مسيرة ارتدادنا.
هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية تبث تأملاً للبابا فرنسيس تحت عنوان “رجاء ولطف”
موقع الفاتيكان نيوز بثت هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية “بي بي سي” صباح اليوم…