سبتمبر 12, 2021

البابا فرنسيس للرهبان الكرمليين: الجمع بين الصداقة مع الله والحياة الأخوية والرسالة

كانت أهمية الجمع بين الصداقة مع الله والحياة الأخوية في الجماعة والرسالة محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم الرهبان الكرمليين الحفاة المشاركين في الجمعية العامة للرهبنة.

استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي قبل ظهر اليوم السبت الرهبان الكرمليين الحفاة المشاركين في الجمعية العامة للرهبنة. وفي بداية كلمته رحب الأقدس بالرهبان القادمين من مناطق العالم المختلفة ليمثلوا حوالي ٤ آلاف راهب أراد البابا توجيه التحية إليهم وأيضا إلى الراهبات الكرمليات والعائلة الكرملية بكاملها، كما وشكر الرئيس العام الجديد على كلمته والرئيس العام السابق على ما قدم من خدمة.

تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن بداية الرهبان الكرمليين جمعيتهم العامة تقودهم ثلاثة نصوص هامة من الكتاب المقدس، الأول حول الإصغاء إلى ما يقول الروح (رؤيا القديس يوحنا ٢، ٧)، والثاني حول تمييز آيات الأوقات (متى ١٦، ٣)، ثم حول أن نصبح شهودا حتى أقاصي الأرض (أعمال الرسل ١، ٨). وشدد الأب الأقدس على كون الإصغاء تصرفا أساسيا بالنسبة للتلميذ الذي يتعلم في مدرسة يسوع ويريد أن يجيب على ما يطلب يسوع في هذه اللحظة الصعبة، ولكن الجميلة أيضا لأنها زمن الله. وتابع البابا متحدثا عن الإصغاء إلى الروح للتمكن من تمييز ما يأتي من الرب وما يناقضه، وذلك للإجابة انطلاقا من الإنجيل على علامات الأزمنة التي يحدثنا من خلالها الرب. وواصل قداسته متحدثا بالتالي عن إصغاء وتمييز من أجل الشهادة، من أجل حمل رسالة وذلك من خلال إعلان الإنجيل بالكلمة وفي المقام الأول بالحياة.

وتابع الأب الأقدس متحدثا إلى الرهبان مؤكدا أنهم، في هذا الزمن الذي وضعت فيه الجائحة الجميع أمام أسئلة عديدة وأسقطت ضمانات كثيرة، مدعوون باعتبارهم أبناء القديسة تيريزا إلى الاهتمام بالعناصر الدائمة لكاريزما الرهبنة الكرملية. وتابع أن الجانب الجيد للأزمة الحالية هو أنها تعود بنا إلى ما هو جوهري بدلا من العيش ملتهين بيقين زائف. وتابع أن هذا الوضع جيد بالنسبة للرهبان حيث يمَكنهم من التعرف على أوضاع رهبنتهم وتغذية نار الأصول.

واصل البابا فرنسيس كلمته مشيرا إلى أن هناك مَن يتساءل في بعض الأحيان حول مستقبل الحياة المكرسة وهناك مَن يقول إنه سيكون مستقبل قصير، إلا أن هذه النظرة المتشائمة مصيرها النفي مثل النظرة المتشائمة حول الكنيسة، قال البابا، وذلك لأن الحياة المكرسة هي جزء لا يتجزأ من الكنيسة، من طابعها الإسكاتولوجي وحقيقتها الإنجيلية. وأضاف الأب الأقدس أن الحياة المكرسة هي جزء من الكنيسة كما أرادها يسوع وكما يواصل الروح القدس تكوينها، يجب بالتالي الابتعاد عن تجربة الاهتمام بالبقاء على قيد الحياة، فمن الضروري العيش في كمال متقبلين نعمة الحاضر بما يحمل هذا من مخاطر. وواصل البابا فرنسيس أن هذا يعني في مدرسة يسوع أن نكون أمناء للحاضر، وفي الوقت ذاته أحرارا ومنفتحين على آفاق الله، منغمسين في سر محبته. ثم أشار إلى أن الحياة الكرملية هي حياة تأمل، وتعني الأمانة لهذه الهبة أنها حياة إجابة على تعطش الإنسان المعاصر، الذي هو في أعماقه تعطش إلى الله وإلى الأبدية. وأراد قداسة البابا هنا التحذير مما وصفها بالدنيوية الروحية والتي هي أسوأ ما يمكن أن يصيب الكنيسة.

ثم تحدث البابا فرنسيس عن أن الأمانة حسب الإنجيل ليست الثبات في مكان بل هي ثبات القلب، والذي لا يعني رفض التغيرات بل القيام بالتغيرات الضرورية لعمل ما يريد الله الآن وفي هذه اللحظة. وتابع الأب الأقدس أن هذه الأمانة تتطلب التزاما صارما بقيم الإنجيل وبالكاريزما والابتعاد عما يحُول دون أن نقدم أفضل ما لدينا للرب وللآخرين. ومن هذا المنطلق أراد قداسته تشجيع ضيوفه على الربط بين الصداقة مع الله والحياة الأخوية في الجماعة والرسالة. وذكَّر في هذا السياق بحديث الوثائق التحضيرية للجمعية العامة للرهبنة الكرملية عن أن الصداقة مع الله هي حسب القديسة تيريزا العيش في شركة معه، ليست فقط الصلاة بل جعل الحياة صلاة، هي الطاعة ليسوع المسيح والقيام بهذا بفرح. وأضاف البابا أن الصداقة مع الله تنضج في الصمت والتأمل والإصغاء إلى كلمته، هي نار يجب أن تُغذى وتُحرس يوما تلو الآخر، وتابع أن حرارة هذه النار الداخلية تساعد على عيش الحياة الأخوية في شركة، وهو أمر ليس بالجانبي بل أمر أساسي. ثم أكد البابا فرنسيس للرهبان الكرمليين الحفاة أنهم بتجذرهم في العلاقة مع الله ثالوث المحبة مدعوون إلى إنماء العلاقات في الروح في توازن بين الكون بمفردهم والكون مع الآخرين، في تناقض مع الفردانية ومع جمهرة العالم. وذكَّر في هذا السياق بدعوة القديسة تيريزا إلى أسلوب أخوّة يتم تعلمه يوما بعد يوم، أي الكون عائلة متحدة في المسيح. وقال قداسة البابا لضيوفه إنهم وانطلاقا من الصداقة مع الله ومن أسلوب الأخوّة مدعوون إلى التفكير أيضا في رسالتهم بإبداع ودفعة رسولية مع انتباه كبير إلى عالم اليوم. وشدد على الرباط الذي لا غنى عنه بين تجدد الرسالة والأمانة لدعوة الرهبنة الكرملية إلى التأمل، وحذر الرهبان من محاكاة رسالة جمعيات رهبانية أخرى مشددا على ضرورة الأمانة لكاريزما رهبنتهم، وذلك كي يعطوا للعالم ما وهبهم الله من أجل خير الجميع، أي ماء التأمل الحي. وتابع أن هذا ليس ابتعادا عن الواقع أو انغلاقا على ذات في واحة محمية، بل يعني انفتاح القلب والحياة على القوة التي تحوِّل العالم بالفعل، محبة الله. وذكَّر الأب الأقدس بأن يسوع كان يتلقى بفضل صلاته منفردا قوة “كسر” حياته وسط الأشخاص، ذكَّر أيضا بأن شجاعة وأعمال الكثير من القديسين والقديسات هي ثمرة اتحادهم العميق مع الله.

وفي ختام كلمته إلى الرهبان الكرمليين الحفاة، الذين استقبلهم قبل ظهر اليوم السبت في القصر الرسولي لمناسبة الجمعية العامة للرهبنة، أكد البابا فرنسيس لضيوفه أن التناغم بين الصداقة مع الله والحياة الأخوية والرسالة هدف جذاب، قادر على تحفيز اختياراتهم في الحاضر وفي المستقبل. ثم تضرع كي ينير الروح القدس ويقود خطواتهم على هذه الدرب، وكي تحميهم القديسة مريم العذراء، كما وبارك الأب الأقدس ضيوفه سائلا إياهم الصلاة من أجله.

‫شاهد أيضًا‬

عظة البطريرك الراعي خميس الأسرار

عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي خميس الأسرار – بازيليك سيدة لبنان حريصا الخمي…