سبتمبر 12, 2021

البابا فرنسيس: للعمل معاً وهدم جدران الماضي الفاصلة للسير نحو وعد الله بالسلام

العمل معا وهدم جدران الماضي الفاصلة للسير نحو وعد الله بالسلام، كان هذا محور كلمة البابا فرنسيس خلال لقائه صباح اليوم الأحد، أول أيام زيارته الرسولية إلى بودايست وسلوفاكيا، ممثلي مجلس الكنائس المسكوني وبعض الجماعات اليهودية في بودابست.

في اليوم الأول من زيارته الرسولية إلى بودابست وسلوفاكيا التقى البابا فرنسيس اليوم الأحد ١٢ أيلول سبتمبر في العاصمة المجرية ممثلي مجلس الكنائس المسكوني وبعض الجماعات اليهودية وذلك في متحف الفنون الجميلة. وقال الأب الأقدس في بداية كلمته: “يسعدني أن ألتقي بكم. أشكركم على كلماتكم، وإنها وحضوركم معا تعبِّر عن رغبتكم الكبيرة في الوحدة. إنها تروي مسيرة، كانت في بعض الأحيان شاقة، في ماضٍ صعب، لكنكم واجهتموها بشجاعة وإرادة حسنة، وساندتم بعضكم بعضا تحت أنظار العليّ الذي يبارك الإخوة الذين يسكنون معا”. وتابع قداسته: “أراكم أيها الإخوة في الإيمان بالمسيح، وأبارك طريق الشركة الذي تسلكونه. أتوجه بفكري إلى دير بانّونهالما، المركز الروحي النابض لهذا البلد، حيث التقيتم قبل ثلاثة أشهر للتفكير والصلاة معا. أن نصلي معا، بعضنا من أجل بعض، وأن نعمل معا في المحبة، بعضنا مع بعض، من أجل هذا العالم الذي يحبه الله كثيرا، هذا هو الطريق العملي نحو الوحدة الكاملة. أراكم إخوة في إيمان أبينا إبراهيم. وأقدّر كثيرا الالتزام الذي أبديتموه في هدم جدران الماضي الفاصلة. يهودا ومسيحيين، تريدون أن تروا في الآخر لا إنسانا غريبا، بل صديقا، لا خصما، بل أخا. هذا هو التغيير في النظرة الذي يباركه الله، والتوبة التي تفتح البدايات الجديدة، والتطهير الذي يجدد الحياة”. وتابع البابا فرنسيس متحدثا عن أن من يتبع الله مدعو إلى أن يترك، حيث يُطلب منا أن نترك سوء فهم الماضي والادعاءات بأننا على صواب، واعتبار الآخرين مخطئين، وذلك “لكي نسير نحو وعده بالسلام، لأنّ الله لديه دائما خطط للسلام، وليس للبلوى”.

أراد الأب الأقدس بعد ذلك الإشارة إلى “الصورة الشهيرة لجسر السلاسل، الذي يربط بين جزئي هذه المدينة”، وقال: “إنه لا يدمجهما معا، ولكنه يوحدهما معا. هكذا يجب أن تكون الروابط بيننا. في كل مرة كان هناك تجربة لامتصاص الآخر، لم يكن بناء، بل دمار. كذلك، لما أردنا عزل الآخر في الغيتوهات، بدل قبوله. كم مرة حدث هذا في التاريخ! يجب أن ننتبه ونصلي حتى لا يحدث ذلك مرة أخرى، وأن نلتزم معا في التشجيع على التربية على الأخوّة، حتى لا تسود نوبات الكراهية التي تريد تدميرها. أفكر في خطر اللاسامية، الذي لا يزال كامنا في أوروبا وفي أماكن أخرى. إنه فتيل يجب إطفاؤه. ولكن أفضل طريقة لنزع الفتيل هي العمل معا بشكل إيجابي، وتعزيز الأخوّة”.

ذكَّر الأب الأقدس بعد ذلك بأن إله العهد يطلب منا “عدم الاستسلام لمنطق العزلة والمصالح الخاصة. إنه لا يريد أن يقيم عهودا مع البعض، على حساب الآخرين، بل مع أشخاص وجماعات يكونون جسورا للشركة مع الجميع. في هذا البلد، أنتم الذين تمثلون ديانات الأغلبية، عليكم واجب توفير الظروف اللازمة حتى يتم احترام الحرية الدينية وتعزيزها للجميع. ولكم أيضا دور المثال تجاه الجميع: فلا يستطيع أحد أن يقول إن الكلام الذي يفرق بين الناس يأتي من شفاه رجال الله، بل ليكن كلامكم فقط رسائل انفتاح وسلام. هذه أفضل شهادة يجب أن يقدمها من نال نعمة معرفة إله العهد والسلام، في عالم تمزقه النزاعات الكثيرة”.

وتابع البابا فرنسيس أن جسر السلاسل يدعونا من جهة أخرى إلى أن نتذكر الماضي، وقال: “سنجد فيه المعاناة، والظلام، وسوء الفهم والاضطهاد، ولكن، إذا عدنا إلى الجذور، سنكتشف تراثا روحيا مشتركا أكبر بكثير. هذا هو الكنز الذي يسمح لنا معا ببناء مستقبل مختلف”. وأراد الأب الأقدس هنا الحديث عمن وصفهم بـ “العديد من الشخصيات أصدقاء الله الذين شعّوا نور الله في ليالي العالم المظلمة”. وتحدث على سبيل المثال عن الشاعر المجري الكبير ميكلوش رادنوتي الذي عانى من كراهية عمياء لمجرد أنه من أصل يهودي. وتحدث الأب الأقدس عن استمراره في كتابة الشعر بينما كان محتجزا في معسكر الاعتقال، حيث كتب المجموعة الشعرية الوحيدة التي نجت من المحرقة وتشهد على قوة الإيمان بدفء الحب في جليد المعتقل وإنارة ظلام الكراهية بنور الإيمان. وقال البابا: “الكاتب، الذي خنقته السلاسل التي قيدت روحه، وجد في حريةٍ أسمى الشجاعة للكتابة، وطرح سؤالا يتردد صداه على مسامعنا حتى اليوم: “وأنت كيف تعيش؟ هل تجد صدى لصوتك في هذا الزمن؟”. وتابع الأب الأقدس: “لا يمكن لأصواتنا إلّا أن تردد صدى تلك الكلمة التي أعطتنا إياها السماء، صدى الرجاء والسلام. وحتى لو لم يُصغِ أحد إلينا أو أُسيء فهمنا، لا ننكر نحن، بأعمالنا، الوحي الذي نحن شهود له”. ذكّر البابا فرنسيس من جهة أخرى بأن الشاعر رادنوتي قد كتب “في العزلة الموحشة في معسكر الاعتقال، وبينما كان يدرك أن الحياة كانت تنساب شيئا فشيئا، “أنا أيَضًا الآن جذر… كنت زهرة، وصرت جذرا”. وتابع الأب الأقدس: “نحن أيضا مدعوون إلى أن نصير جذورا. نبحث غالبا عن الثمار والنتائج وتثبيت أنفسنا، ولكن الله الذي يجعل كلمته تثمر على الأرض، وبعذوبة المطر نفسها ينبت الزرع في الحقل، يذكّرنا أن طرق إيماننا هي بذور: بذور تتحول إلى جذور تحت الأرض، الجذور التي تغذي الذاكرة وتُنبت المستقبل”.

وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته خلال لقاء ممثلي مجلس الكنائس المسكوني وبعض الجماعات اليهوديّة في العاصمة المجرية بودابست الأحد ١٢ أيلول سبتمبر: “هذا ما يطلبه منا إله آبائنا، لأنه – كما كتب شاعر آخر – “الله ينتظر في مكان آخر، إنه ينتظر بالتحديد في عمق كل شيء. في الأسفل، حيث تكون الجذور”. يمكننا أن نصل إلى القمة فقط إذا كنا متجذرين في العمق. إن كنا متجذرين في الإصغاء إلى العلي وإلى الآخرين، سنساعد معاصرينا على قبول ومحبة بعضهم بعضا. فقط إن كنا جذور سلام وبراعم وحدة، ستكون لنا مصداقية في أعين العالم، الذي ينظر إلينا، وفيه شوق كبير لأن يزهر الرجاء. شكرا، وأتمنى لكم مسيرة سعيدة، معا”.

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يكتب تأملات درب الصليب في الكولوسيوم لأول مرة

وكالة آكي الإيطالية للأنباء – البابا فرنسيس يكتب تأملات درب الصليب في الكولوسيوم لأو…