أغسطس 13, 2021

الذكرى السنوية الستون لبناء جدار برلين: دعوات البابا فرنسيس إلى بناء الجسور لا الجدران

ليل الثاني عشر من آب أغسطس من العام ١٩٦١ أقيم جدار في وسط مدينة برلين ليفصل الشطر الغربي عن الشطر الشرقي المحتل من قبل الاتحاد السوفييتي. انقسامٌ استمر مدة ثمانٍ وعشرين سنةً، حتى نهاية الحرب الباردة. وفي الذكرى السنوية الستين على هذا الحدث التاريخي يتم إحياء ذكرى الضحايا الذين لم يتمكنوا من عبور ما كان يُعرف بـ”قطاع الموت“.

أُطلق على جدار برلين اسم “جدار الحماية من الفاشية”، وهو عبارة عن جدار تعلوه أسلاك شائكة، أبصر النور لستين سنة خلت وبالتحديد ليل الثاني عشر من آب أغسطس ١٩٦١، وقسّم المدينة بين الشطر الشرقي الخاصع لنفوذ الاتحاد السوفيتي والشطر الغربي الخاضع لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وبريطانيا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الرايخ الثالث. وشكل هذا البناء، على مدى ثلاثة عقود تقريباً، رمزاً ملموساً ومرئياً للفصل القائم في عالم انقسم إلى معسكرَين وعاش حرباً باردة استمرت لغاية العام ١٩٨٩. في العام ١٩٤٥ وبعد هزيمة النظام النازي احتل الحلفاء ألمانيا، وفي العام ١٩٤٩ انقسمت البلاد إلى الجمهورية الفدرالية الألمانية في الغرب، والجمهورية الديمقراطية الألمانية في الشرق.

قدّم الشيوعيون هذا الجدار على أنه يشكل حماية من الغزو، وقد وُضعت الأسلاك الشائكة للحيلولة دون هروب سكان برلين من الشطر الشرقي غربا. ويتحدث المؤرخون عن وجود حوالي مليونين ونصف مليون مواطن ألماني عبروا إلى الشطر الغربي قبل بناء الجدار، وبالتحديد بين عامي ١٩٤٨ و١٩٦١. لكن هذا الجدار – وعلى الرغم من طوله الذي بلغ مائة وستة وخمسين كيلومترا وارتفاعه الذي وصل إلى ثلاثة أمتار ونصف – لم يقف عائقاً أمام خمسة آلاف شخص نجوا خلال عملية العبور، على الرغم من أبراج المراقبة والقنّاصة والدوريات العسكرية الليلية. ويُقدر عدد الذين ماتوا خلال هذه المحاولة بين مائة واثنين وتسعين ومائتين وتسعة وثلاثين شخصا.

ومن بين الأشخاص الذين قضوا عند الجدار شاب ألماني في الثامنة عشرة من العمر يُدى بيتر فيتشر، قُتل في السابع عشر من آب أغسطس ١٩٦٢ عندما أطلق عليه حراس الحدود النار وتركوه ينازع حتى الموت. وأمام النصب التذكاري المخصص لهذا الشاب وقف عمدة برلين مايكل مولر والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إحياء لذكرى الضحايا، ووضعا إكليلا من الزهر، كما توقف المواطنون دقيقة صمت حدادا على أرواح الضحايا. للمناسبة قال العمدة – في الذكرى السنوية الستين لبناء الجدار – إن ما حدث كان مقرِّرا بالنسبة لبرلين ولألمانيا كلها، مسلطا الضوء على الآلام التي سببها انقسام المدينة والبلاد، مع تشتت العائلات والأصدقاء، وفقدان الفرص وإمكانية السفر والتنقل.

البابا فرنسيس تطرق إلى جدار برلين في الخطاب الذي وجهه إلى أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لمناسبة تبادل التهاني بحلول العام الجديد مطلع العام الماضي. وقال إن هذا البناء يبقى رمزاً لثقافة الانقسام، التي تُبعد الأشخاص عن بعضهم البعض وتفتح الطريق أمام التطرف والعنف. وذكّر الحبر الأعظم بالاحتفال في تشرين الثاني نوفمبر من العام ٢٠١٩ بالذكرى السنوية الثلاثين لسقوط جدار برلين، وهو حدث وضع أمام أعين الجميع أحد الرموز المؤلمة في التاريخ الأوروبي المعاصر، وذكّر بأنه من السهل جدا أن تُبنى الجدران.

مما لا شك فيه أن الدعوة إلى بناء الجسور لا الجدران، هي جزء هام من حبرية البابا فرنسيس، الذي ذكّر بأنه إزاء حواجز الحقد لا بد من تفضيل جسور المصالحة والتعاضد، وتفضيل ما يقرّب بين الناس لا ما يبعدهم عن بعضهم البعض. وبعد اللقاء التاريخي الذي جمعه بالإمام أحمد الطيب في أبو ظبي، وبعد زيارته إلى المغرب، تحدث البابا إلى الصحفيين على متن الطائرة في طريق عودته إلى روما، في الحادي والثلاثين من آذار مارس ٢٠١٩، مشددا – مرة جديدة – على الحاجة الملحة إلى الجسور، وقال إنه يشعر بالألم عندما يرى أشخاصا يفضلون بناء الجدران. ولفت إلى أن من يشيّدون الجدران يصبحون أسرى هذه الجدران نفسِها. لكن من يبنون الجسور يتمكنون من السير إلى الأمام. وذكّر فرنسيس بأن الجسر هو للتواصل البشري، أما الجدران فهي ضد التواصل، إنها لصالح العزلة. وقد تحدث عن هذا الموضع أيضا في طريق عودته من المكسيك في السابع عشر من شباط فبراير ٢٠١٦ قائلا إن الشخص الذي يفكر فقط ببناء الجدران، لا الجسور، لا يمكن أن يكون مسيحيا.

وهذه الجدران ليست فقط رمزاً لثقافة العزلة والانفصال والحقد بين شخص وآخر، إنما هي أيضا أماكن للألم النفسي والجسدي. يكفي التفكير بالجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، فضلا عن سياج سبتة الحدودي، الفاصل بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية، وجدار الفصل بين إسرائيل وفلسطين. وخلال زيارته إلى الأرض المقدسة وعبوره مدينة بيت لحم متجها إلى ساحة المهد، في الخامس والعشرين من أيار مايو ٢٠١٤، طلب البابا من السائق أن يوقف السيارة أمام الجدار، وترجّل منها واقترب من الجدار واضعاً يده عليه، وتوقف أمامه بضع دقائق للصلاة.

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يكتب توطئة كتاب جديد للكاهن لوتشو بونورا حول البابا بيوس العاشر

البابا فرنسيس يكتب توطئة كتاب جديد للكاهن لوتشو بونورا حول البابا بيوس العاشر – Vati…