مايو 8, 2022

الراعي من بكركي: ندعو المواطنين جميعًا إلى الإقبالِ الكثيفِ على الاقتراعِ لأنّه لحظةُ التغيير

الراعي من بكركي: ندعو المواطنين جميعًا إلى الإقبالِ الكثيفِ على الاقتراعِ لأنّه لحظةُ التغيير

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي

الأحد الرابع من زمن القيامة

بكركي ، الأحد 8 أيّار 2022

“عند الفجر وقف يسوع على الشاطئ، والتلاميذ لم يعلموا أنّه يسوع” (يو 21/ 4). 

1. يسوع القائم من الموت هو في حضور دائم في الكنيسة، وفي حياة كلّ واحد وواحدة منّا، وكل انسان، وبخاصّة عندما نمرّ في أوضاعٍ صعبة. يحضر ليساعد ويوجّه، ونحن علينا أن نعمل بما يقوله ويوحيه لنا. هكذا فعل مع التلاميذ بعد ليلة صيد فاشلة. ” فوقف على الشاطئ عند الفجر وقال لهم: “أُلقوا الشباك إلى يمين السفينة تجدوا”(يو 21/ 6)، فكان الصيد العجيب. لم يعلموا أنّه يسوع، ومع هذا أطاعوه، لأنّ صوته وقع في قلوبهم. يسوع يخاطب القلب من دون أن نراه. لذا يجب استحضاره في كلّ ظرف صعب. فهو هنا، رفيق درب كلّ إنسان وجماعة مؤمنة. 

2. يسعدني أن أحيّيكم جميعًا ونحن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، فنجدّد إيماننا بربّنا يسوع الحاضر فيها: ذبيحةَ تكفير دائمة عن خطايانا، ومائدةً سريّةً نتناول فيها كلمة الحياة وجسده ودمه للحياة الجديدة. إنّنا نذكر بصلاتنا قداسة البابا فرنسيس راجين له الشفاء التام. ونوجّه تحيّةً خاصّة إلى عائلة المرحومة حنّة سركيس الخوري سليمان الخوري، والدة عزيزينا الدكتور مطانيوس الحلبي، مدير عام سابق، وشقيقه المحامي نبيه، وقد ودّعناها بالأسى والصلاة معهم ومع عائلاتهم وأنسبائهم في بقرزلا منذ شهر، وإلى عائلة المرحوم جان أسعد أبو جوده الذي ودّعناه بكثير من الأسى والصلاة مع ابنيه وابنته أعزّائنا وجدي وفادي وزينه وعائلاتهم وأنسبائهم منذ أسبوعين في غادير. نصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيها وعزاء أسرتيهما. 

3. إنّ كنيسة لبنان تفرح وتشكر الله على الطوباويّين الجديدين اللذين يتمّ الإحتفال بتطويبهما بعد ظهر السبت في الرابع من حزيران المقبل الساعة السادسة والنصف مساءً في باحة مؤسّسة دير الصليب-جلّ الديب، وهما المكرّمان الأب توما صالح والأب ليونار عويس من رهبنة الإخوة الأصاغر الكبوشيّين، وكلاهما مارونيّان من بلدة بعبدات-المتن وقد استشهدا أثناء الإبادة والحرب الكونيّة الأولى: الأب ليونار استشهد سنة 1915، والأب توما سنة 1917. إنّ الآباء الكبوشيّين يعتبرون الدعوة مفتوحة للمشاركة بكثافة في احتفال التطويب، شكرًا لله على هاتيين النعمتين لكنيسة لبنان، وتكريمًا للطوباويّين الجديدين. نسأل الله أن يقبل تشفّعهما من أجل وطننا وشعبنا لينهض من أزماته السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة، ويستعيد رسالته الخاصّة في محيطه العربيّ. 

4. فيما نتطلّع إلى مستقبل شبابنا الجامعيّ، يؤلمنا جدًّا أن نرى الجامعة اللبنانيّة، التي تضمّ ستّة وسبعين ألف طالب وطالبة، تترنّح بسبب إهمال السلطة السياسيّة لها، هي التي أعطت لبنان بعضًا من خيرة علمائه ومثقّفيه. فيجب العناية بها كحدقة العين لكي تستعيد ماضيها. فالمطلوب: 

أوّلًا، من السلطة السياسيّة المعنيّة تسهيل إنجاز ملفّاتها المتعثّرة، ومن أهمّها تعيين العمداء، وتأليف مجالسها.

ثانيًا، من الشركات التي اعتمدت مختبرات الجامعة لإجراء فحوصات PCR للمسافرين على مدى سنتين واحتفظت بالمال الذي دفعه هؤلاء، ويبلغ نحو خمسين مليون دولارًا، أن تسلّمه لإدارة الجامعة بالدولار النقديّ، من باب العدل والإنصاف. فيتمكّن القيّمون على الجامعة من إنعاشها من جديد وتطويرها، وانصاف أساتذتها وموظّفيها، والقيام بالتجهيزات التي من شأنها أن ترفعها من جديد إلى المستوى المطلوب، لا سيما بعد أن تعيّن للجامعة رئيس جديد مندفع للعمل ومؤهّل تمامًا لهذا المنصب، وعلمًا أنّ الموازنة المقرّرة لها هي دون إمكانيّة تغطية حاجاتها. 

5. إنّ ظهور يسوع للتلاميذ وإجراء الصيد العجيب يكشفان ملامح الكنيسة.

أ. سفينة الصيد في عرض البحر تمثّل الكنيسة التي تصطاد الناس من العالم، وتجتذبهم إلى الله، وتجمعهم بروح الشركة التي هي الإتّحاد بالله عموديًّا، والوحدة فيما بينهم أفقيًّا. شبكتها هي الإنجيل وتعليم الكنيسة؛ إنجيل محبّة الله المتجلّية في شخص يسوع المسيح وأقواله وأفعاله وآياته؛ إنجيل الحقيقة التي تحرّر وتوحّد؛ إنجيل السلام بكلّ أبعاده الروحيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؛ إنجيل العدالة القائمة على احترام حقوق كلّ إنسان وتعزيز واجباته؛ إنجيل الأخوّة الذي يبني في العالم عائلة الله. 

ب. الأسماك الكبيرة، وعددها 153، ترمز إلى شعوب الأرض، من كلّ لون وعرق وثقافة، وإلى انفتاح الكنيسة إليهم جميعًا. تتّسع شبكة محبّتها للجميع، “ولا تتمزّق” من جرّاء الثقل، بل تتوطّد وحدتها بقوّة هذه المحبّة. 

ج. المسيح يسوع هو موجّه عمليّة الصيد، هو رأس الكنيسة، وكلّ جماعة مصلّية. هو الذي يجمع أبناء الكنيسة وبناتها تحت كلّ سماء. هو يقدّم لها طعامها الروحيّ، طعام كلمته المحيية، وطعام الخبز والخمر المحوّلين إلى جسده ودمه في سرّ القربان. هذه الملامح مرموز إليها في “الخبز والسمك الذي أعدّه يسوع ووضعه على الجمر، وأضاف إليه من “السمك الذي إصطاده التلاميذ”. وفي الحركة التي قام بها معيدًا إلى ذاكرتهم ما صنع في العشاء الأخير، إذ دعاهم إلى الطعام وتقدّم وأخذ الخبز وناولهم. ثمّ فعل كذلك بالسمك” (يو 21/ 12-13). هذا الظهور وكلّ ما رافقه يتكرّر في قدّاس الأحد الذي يجمع جماعة المؤمنين. 

6. بدأت الانتخاباتُ النيابيّةُ في بلدان الانتشارِ، فإنّا نُثمِّنُ دورَ الحكومةِ والوزراء المعنيّين وأركانِ السفاراتِ والبعثات الدبلوماسية على حسنِ إدارة هذه العمليّة. لقد رأينا اللبنانيّات واللبنانيّين يَتوجّهون إلى مراكزِ الاقتراع، ومعالمُ القهرِ والغضبِ والأملِ باديةٌ على وجوهِهم وفي تصاريحهم. كانوا مقهورين لأنّهم اضْطُرّوا إلى مغادرةِ لبنان تاركين بيوتهم وعائلاتِهم. وكانوا غاضِبين على الّذين تَسبَّبوا بهجرتِهم القسريّةِ لاسيّما في السنواتِ الثلاث الأخيرة. وكانوا متأمِّلين بأن تساهمَ مشاركتُهم الكثيفةُ في الاقتراعِ في التغيير السياسيِّ فينحَسِرَ هذا الليلُ الدامسُ وتَتحسّن الأوضاعُ ويَعودون إلى لبنان. وقد لاحظنا أنّهم بغالِبيّتِهم في عمرِ الشبابِ وفي عزّ العطاء، فهل تَعي الجماعةُ السياسيّةُ أيَّ لبنانيّين هَجَّرت ومدى الأذى الذي ألـحَقته خِياراتُها وأداؤها وفسادُها بأجيالِ لبنان ومستقبلِ هذه الأمّة العظيمة؟ 

7. بانتظارِ يوم الانتخاب في لبنان، ندعو المواطنين جميعًا إلى الإقبالِ الكثيفِ على الاقتراعِ لأنّه لحظةُ التغيير وإلا “لاتَ ساعةَ مَنْدَمِ”. مِن الانتخاباتِ النزيهةِ تَبدأ الديمقراطيّةُ الصحيحة، ومن كثافةِ الاقتراعِ الواعي والحرّ تَستمِدُّ الانتخاباتُ شرعيّــتَها الشعبيّةَ مع شرعيّتِها الدستوريّة. أن يَنتخبَ المواطناتُ والمواطنون هو أن يُوكِلوا وطنَهم ودولتَهم ومصيرَهم إلى مَن يختارون من بينِ النساءِ والرجال المرشَّحين. إنّها لَـمسؤوليّةٌ جسيمةٌ تَستدعي التأنّي والمقارَنة والتقييمَ ثم الاختيار. لا تجري الانتخاباتُ لاختبارِ مدى احترامِ تداولِ السلطةِ فقط، بل لاختبارِ مدى حيويّةِ المجتمِع اللبناني في ممارسةِ الفعلِ الديمقراطي، ومدى حماستِه للتغييرِ السياسيّ. فلا يأملُ شعبٌ أن يَحظى بحوكمةٍ رشيدةٍ إذا كان اختيارُه لممثّليه سيّئًا.

إنّ معيار الإختيار الإنتخابيّ اليوم هو الوقوف أمام الأهوالِ والمآسي والكوارث، والشهداءِ والضحايا والمصابين والدمار، بعد تفجيرِ مرفأ بيروت، والانهيارِ الاقتصاديِّ والماليّ، وحالة الجوعِ والفَقرِ والعَوزِ والتهجيرِ وفِقدانِ الغذاءِ والدواء، وتعطيلِ المؤسّساتِ وضربِ القضاءِ والهيمنةِ على الدولةِ وقرارِها الوطنيّ، وترك الحدود سائبة لكلّ أنواع التهريب دخولًا وخروجًا. آن الأوان أن تستيقِظ أيّها الشعبُ اللبنانيّ. إن عمليّةَ إنقاذ لبنان الديمقراطيّ ممكنةٌ، بل حتميّةٌ إذا انبثق حكمٌ وطنيٌّ جديدٌ بعد الانتخاباتِ النيابيّةِ، قادرٌ على مصالحةِ الشعبِ مع دولتِه ومصالحةِ الدولةِ مع العالم. 

8. تتواصل إلينا يوميًا  صرخة مودعي الأموال في المصارف، وهم في ضائقةٍ حادّة للعيش والإستشفاء، وتحويل المال لأولادهم طلّاب الجامعات في الخارج. ويعانون من حجب النقدِ الأجنبيِّ، والتَقنينِ المتزايدِ للسحوباتِ بالليرةِ اللبنانيّة، وعدم تزويدِ ماكينات السحبِ الآليِّ بالأموالِ الكافيّة، وتعقيدِ الدفعِ ببطاقاتِ الائتمان، وعدم التعاملِ بالشيكات فيُضْطَر الناسُ إلى بيعِها إلى الصيارفةِ بأقل من قيمتِها وهي شيكاتٌ غالبًا ما تكون لتغطيةِ الأجورِ الشهريّةِ وتعويضاتِ التقاعد وغيرها.

9. ومع كل ذلك، نعود فنكل حالتنا إلى أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان، طالبين شفاعة حنانها لإخراج وطننا وشعبنا من محنه وصعابه. ومعها نرفع نشيد المجد والتسبيح الدائم للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يلتقي بـ ٦ آلاف طالب ومعلم ومدير من مدارس السلام

البابا فرنسيس يلتقي بـ ٦ آلاف طالب ومعلم ومدير من مدارس السلام – Vatican News إنّ لق…