سبتمبر 3, 2021

“الرجاء الوحيد للمتألمين في هذا العالم هو أن تنتصر الرحمة على عدم المبالاة، لأن الرحمة عطية سماوية تصنع فرقاً في العالم”

القس سهيل سعود

كانت المشاهد مؤلمة، أن نرى على الشاشات وفي الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي مرضى السرطان يتظاهرون والدموع تملأ عيونهم. كانت الصور مبكية جدا، ومفطرة للقلوب، أن ترى أولئك المتألمين والمتألمات بأمراض خطيرة، يناشدون مسؤولينا الفاسدين غير المبالين بأوجاعهم، تأمين أدويتهم التي تسعفهم للاستمرار على قيد الحياة، لكي لا يتعرضوا لإبادة جماعية، من جرّاء نفادها، أو تخبئتها من قِبل المحتكرين الظالمين الذي هم أيضا لا يبالون بأوجاعهم، وانما كلّ همهم تكديس المال على حساب دماء أولئك الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم يعيشون في وطن سلبهم معظم قادته الفاسدين كرامتهم وأدنى حقوقهم، والآن يحرمهم حق الاستمرار على قيد الحياة.

عرّف أحدهم اللامبالاة على أنها “حالة غريبة عند بعض الناس حيث تسقط غشاوة على عيونهم وتتغبّش رؤيتهم، فتتداخل الحدود بين الإيمان وعدم الإيمان، بين النور والظلمة، بين الخير والشر، بين الرحمة والظلم”. ان حالة اللامبالاة تجعل الإنسان يفقد أو يكبت مشاعره واهتمامه وتعاطفه مع الآخرين. قال أحدهم: “حالة اللامبالاة، ليست بداية لموقف ما، لكنها النهاية لكل المواقف. إنها حالة اللاموقف، التي فيها يختار الإنسان غير المبالي الخيار الأسهل، والذي قد يكون مغرياً إلى حد ما، بأن لا يبذل أي جهد فكري أو عاطفي أو روحي للتعاطف والتشارك مع آلام الآخرين واحتياجاتهم، وهكذا يقرر أن يبقى على هامش الحياة”. إن الأمثال والأقوال الشعبية التي تعبّر عن اللامبالاة كثيرة في وطننا، تتناقلها ألسنة الناس، منها “حايدة عن ضهري بسيطة“، “بعد حماري ما ينبت حشيش”، “آخر همي”. قال أحد المفكرين: “ليست الهرطقة هي عكس الإيمان، ولكن عدم المبالاة هو عكس الإيمان. ليست الكراهية هي عكس المحبة، ولكن اللامبالاة هي عكس المحبة”.

إذا ما تصفحنا الكتاب المقدس، نجد انتقاد المسيح لغير المبالين في كثير من النصوص، ومنها نصّ قصة السامري الصالح التي سردها المسيح في إنجيل (لوقا 10: 25-37)، والتي تفيد أنه بينما كان انسان نازلاً من أورشليم الى أريحا، وقع بين لصوص. فعرّوه. وجرحوه. ومضوا وتركوه بين حي وميت. في تلك القصة، نرى انتقاد المسيح غير المباشر، للكاهن واللاوي اللذين يخدمان في الهيكل، ويرفعان الصلوات من أجل الناس الى الله. الاّ أنه بالرغم من أنه يفترض أن يكون الاهتمام بآلام الناس وأوجاعهم من صلب عملهما، فانهما لم يباليا بآلام ذلك الجريح. ومع أنهما وجداه ينزف بين الحياة والموت، لم يمدّا يد العون إليه، بل جازا مقابله. بينما نرى في تلك القصة فرح المسيح بذلك السامري الصالح الغريب، الذي لم يعتبره اليهود من شعب الله. فانه اذ رأى ذلك الجريح ينزف دما، بين الموت والحياة، تحنّن عليه وضمّد جروحه، وأركبه على دابته، وأتى به الى فندق، وأوصى صاحب الفندق بأن يتابع عنايته به حتى بعد رحيله، واعداً إياه بأنه سيدفع له الكلفة المتبقية. قال أحد المفكرين المسيحيين: “الرجاء الوحيد للمتألمين في هذا العالم هو أن تنتصر الرحمة على عدم المبالاة، لأن الرحمة عطية سماوية تصنع فرقاً في العالم”. وضع الرسول يعقوب، مبدأ مسيحيا مهما، يجرّم بجرم الخطيئة، كل غير مبال، عندما تكون هناك حاجة للمبالاة وتقديم المساعدة للناس، والقيام بأمور حسنة للمحتاجين. قال: “فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فذلك خطية له” (يعقوب 5: 17).

وتتكرّر مشاهد أوجاع الناس وآلامهم يوميا، باستفحال أزمات البلاد المتراكمة، من دون رؤية ضوء في نهاية النفق. نحن مدعوون لأن نتحسّس مع آلام الناس وأوجاعهم، وبحسب امكانات كلّ منا تقديم المساعدة لهم، لأن الرجاء الوحيد للمتألمين في وطننا هو أن تنتصر الرحمة على عدم المبالاة. يا رب ارحم شعبنا اللبناني المتألم، واحفظ وطننا الجريح لبنان.

‫شاهد أيضًا‬

بطاركة ورؤساء كنائس القدس يجدّدون النداء من أجل السلام في الأرض المقدّسة

بطاركة ورؤساء كنائس القدس يجدّدون النداء من أجل السلام في الأرض المقدّسة | Abouna جدّد الب…