فبراير 7, 2022

الرّاعي في جنازة المطران يوسف حتّي: عرفناه رجل هدوء وسلام وأخلاقيّة وصفاء قلب

الرّاعي في جنازة المطران يوسف حتّي عرفناه رجل هدوء وسلام وأخلاقيّة وصفاء قلب

ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي اليوم في بكركي، جنازة راعي أبرشيّة مار مارون أستراليا المارونيّة الأسبق المثّلث الرّحمة المطران يوسف حتّي، بحضور السّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتيري وممثّلين عن البطريركين يوسف العبسيّ وإغناطيوس يوسف الثّالث يونان، ولفيف من المطارنة والكهنة والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات والرّهبان والرّاهبات.

وللمناسبة، ألقى الرّاعي عظة تحت عنوان “منحه الله الهدوء من كلّ جانب” (سيراخ 47: 13)، قال فيها:

“1. منح الله أخانا المثلّث الرّحمة المطران يوسف حتّي “الهدوء من كلّ جانب” ( سيراخ 47: 13)، كما جاء على لسان يشوع بن سيراخ. هذا الهدوء رافقه على مدى السّبع وتسعين سنة من العمر. عاش بهدوء وأسلم الرّوح بهدوء في عيد دخول المسيح إلى هيكل أورشليم، وتقدمته لله. في هذه السّاعة المحدّدة من الله دخلت روح المطران يوسف إلى هيكل الله في أورشليم السّماويّة، وسلّم ذاته كاملة مع الوزنات الخمس مضاعفة. فصحّ فيه القول المأثور: “الإنسان، بطريقة حياته، يختار طريقة موته”.

2. لقد عرفنا المطران يوسف، كاهنًا وأسقفًا، وكان في كلّ الحالات رجل هدوء وسلام وأخلاقيّة وصفاء قلب. في بيت المرحومين حبيب الحتّي ولميا علوان من بلدة أيطو العزيزة، وُلد وتربّى مع أشقّائه الثّلاثة، وهو كبيرهم، على الإيمان والقيم الرّوحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. وقد نسج معهم ومع عائلاتهم أفضل روابط الأخوّة، وشكّل مرجعيّتهم وسندهم. وآلمته وفاة إثنين منهم، وهما المرحومان موريس وروبير، فنرجو لشقيقهم عزيزنا ألبير العمر الطّويل.

3. عرف مرارة اليتم بوفاة والده المبكّرة، وهو في العاشرة من العمر. فنهضت والدته بمسؤوليّة الأم والأب، وواصلت تربيته مع أشقّائه، بمؤازرة خاله المرحوم علوان الّذي كان مختار البلدة، وبعد وفاته انتُخبت هي لمقدرتها وعصاميّتها ومؤهّلاتها الإداريّة، فكانت أوّل مختارة في لبنان. وبفضل ما كان يشدّ المثلّث الرّحمة المطران يوسف إليها من حبّ واحترام، أوصى بأن يُدفن إلى جانبها في مدافن العائلة. وكان قد جُرح قلبه بموتها المفاجئ وهو في الثّالثة والأربعين من العمر، وفي غمرة الفرح بتعيينه الواعد محاميًا عن العدل والوثاق في محكمة الرّوتا الرّومانيّة سنة 1968 من القدّيس البابا بولس السّادس، وبمرض شقيقه المرحوم موريس. فتمرّس من جديد على قبول كأس الألم الّذي أنضج العاطفة الإنسانيّة المرهفة في قلبه.

وشدّته إلى المرحوم خاله علوان مشاعر المودّة والاحترام وعرفان الجميل، وكان يشعر أنّه ينتمي إلى عائلته. وهذا ما ظهر في علاقته ببنات خاله عزيزاتنا الأخت إليزابيت من راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، والأخت سميرة من راهبات النّاصرة، والسّيّدة نللي وأسرتها، والمرحومة هند زوجة شقيقه المرحوم موريس. كما أخلص للمرحومين عمّيه وعائلتيهما.

4. عندما دعاه المسيح، الكاهن الأزليّ، إلى اتبّاعه في سرّ الكهنوت، لبّى الدّعوة بفرح، ودخل المدرسة الإكليريكيّة في غزير، وبدأ دراسة الفلسقة في جامعة القدّيس يوسف بيروت. وإذ توسّم فيه المثلّث الرّحمة المطران أنطون عبد رئيس أساقفة طرابلس آنذاك، الخصال والفضائل الكهنوتيّة والنّجاح في العلم والنّباهة، أرسله إلى فرنسا ليتابع دروسه الفلسفيّة واللّاهوتيّة في إكليريكيّة St Sulpice، والمعهد الكاثوليكيّ في باريس. وبعد خمس سنوات سيم كاهنًا هناك، ومن بعدها أرسله المطران أنطون عبد إلى روما ليتخصّص في الحقّ القانونيّ والمدنيّ في جامعة مار يوحنّا اللّاتران، فنال شهادة الدّكتورا. وهكذا أتقن تمامًا اللّغات الفرنسيّة والإيطاليّة واللّاتينيّة.

5. هذه العلوم، مدّة ثماني سنوات خارج لبنان، أهّلته عند عودته سنة 1954، ليكون أمين سرّ أبرشيّة طرابلس، فقاضيًا في محكمة أبرشيّتها، ومن ثمّ في محكمة الكرسيّ البطريركيّ في بكركي، وأخيرًا في المحكمة الابتدائيّة المارونيّة الموحّدة عند تأسيسها، وقد ترأسّها. وفي الوقت عينه علّم الحقّ القانونيّ في جامعة القدّيس يوسف- بيروت.

6. وإذ تمرّس في العمل القضائيّ، قاضيًا ورئيسًا ومحاضرًا، وتعمّق في المعرفة القانونيّة والاجتهاد، وازداد تفانيًا في العطاء عيّنه القدّيس البابا بولس السّادس، كما أشرنا، سنة 1968 محاميًا عن العدل والوثاق في محكمة الرّوتا الرّومانيّة. وتوسّعت خلال هذه الوظيفة، الّتي دامت إثنتين وعشرين سنة، مسؤوليّات أخرى: فعلّم الأصول القضائيّة التّطبيقيّة في المعهد الشّرقيّ بروما للآباء اليسوعيّين، والفقه الإسلاميّ في جامعة القدّيس يوحنّا اللّاتران؛ وعُيّن تباعًا مدّعيًا عامًّا في محكمة الفاتيكان المدنيّة، ومحاميًا عن الوثاق في كلّ من مجمع عقيدة الإيمان ومجمع الأسرار، وعضوًا في مجمع العبادة الإلهيّة، ومستشارًا في مجمع الكنائس الشّرقيّة.

لقد عايشناه في روما، فكنّا نراه، فيما كان يعلو في المسؤوليّات، يتألّق في التّواضع والبساطة والفضائل الكهنوتيّة الّتي قرّبته من القلوب، بالإضافة إلى علم وخبرة واسعين في الحقلين القانونيّ والقضائيّ، ونزاهة وعدالة في الأحكام. وكان في الوقت عينه يتعاون مع شقيقه المرحوم روبير على معالجة أخيهما المرحوم موريس، مضحّيًا بسخاء بكلّ ما يلزم لهذه الغاية.

7. وعندما اقترح سينودس أساقفتنا المقدّس إسمه، مع إثنين آخرين، على كرسيّ أبرشيّة مار مارون في أستراليا، الشّاغر بتقاعد المثلّث الرّحمة المطران عبده خليفة، عيّنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في 15 كانون الأوّل 1990، مطرانًا لهذه الأبرشيّة، وهو رسمه أسقفًا بوضع يده في بازيليك القدّيس بطرس في عيد الدّنح 6 كانون الثّاني 1991.

ساس الأبرشيّة بحكمة وحسن دراية مدّة عشر سنوات (1991-2001)، متعاونًا مع الكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين، فسادها الفرح الرّوحيّ وطيب الاستقرار. وتكفي شهادة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، في الرّسالة الّتي وجّهها إليه في ذكرى يوبيله الكهنوتيّ الذّهبيّ حيث كتب: “لقد أتممت خدمتك المقدّسة بغيرة كبيرة، وهي مناسبة لنهتئك على كلّ ما أنجزت، سائرًا على خطى الرّاعي الصّالح. فمن أجله لم تنفكّ تعلن بشرى الإنجيل الّذي هو ينبوع الكمال، ومصدر الإيمان والرّجاء والمحبّة”.  

8. ولمّا تقاعد لبلوغ السّنّ القانونيّة، عاد إلى لبنان. فسكن مع عائلة عزيزنا حبيب، ابن أخيه مدّة سبع عشر سنة. (2001-2017) ملأى بالفرح وطيب العيش محاطًا بالمحبّة والخدمة والاحترام. وهذا ما كنّا نشاهده عندما كنّا نزوره هناك.

وكان لا بدّ من القرار الصّعب لينتقل إلى المركز المتخصّصDomaine du Rocher  الواقع بين مزار سيّدة لبنان وبكركي. فلقي هناك عاطفة وعناية مميّزتين من صاحب هذا المركز السّيّد غسّان فيّاض والطّاقم التّمريضيّ. وكنّا نقف دائمًا على أحواله من خلال سيادة أخينا المطران حنّا علوان، نائبنا البطريركيّ العامّ الّذي كان يواكبه في كلّ حالة، ويتفقّده حتّى دخوله المستشفى اللّبنانيّ الجامعيّ في أيّامه الأخيرة حيث منحه سرّ مسحة المرضى والحلّ من خطاياه والغفران الكامل. وشارك قبل الدّخول إلى المستشفى في الذّبيحة الإلهيّة وتناول جسد الرّبّ ودمه من يد صديقه الأب مالك بو طانوس. وهكذا أسلم الرّوح بهدوء مثل شمعة تنطفىء بشهادة ابنة شقيقه الّتي كانت بقربه. فتحقّق فيه ما جاء في صلاة وضع البخّور:

ما أشهى موت الأبرار أسرارٌ ما أغلاها

آمــــالٌ مــا أحــلاهـــــــــــــــــا غفوٌ في الأنـوار.

9. فليجد العزاء بكلّ ذلك جميع الموآسين، نحن شخصيًّا، وسيادة السّفير البابويّ، والسّادة المطارنة أعضاء سينودس كنيستنا المقدّس، والكنائس الشّرقيّة الشّقيقة، ومطران أبرشيّة أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا، ومطران أبرشيّة طرابلس، وكهنة هاتين الأبرشيّتين والرّهبان والرّاهبات والمؤمنون، وأنسباء المثلّث الرّحمة المطران يوسف، وأبناء وبنات بلدة أيطو في لبنان والمهجر الأعزّاء.

أجزل له المسيح “راعي الرّعاة العظيم” (1 بطرس 4:5)، ثواب الرّعاة الصالحين، وعوّض على الكنيسة بأساقفة مخلصين ومقدّسين، يمجّدون بحياتهم وخدمتهم الله الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

المسيح قام! حقًّا قام!”.

‫شاهد أيضًا‬

البابا يعرب عن قلقه حيال آخر التطورات في الشرق الأوسط ويطلق نداء جديداً من أجل السلام

البابا يعرب عن قلقه حيال آخر التطورات في الشرق الأوسط ويطلق نداء جديداً من أجل السلام R…