يناير 14, 2020

السّفير البابويّ من بعبدا: لا أخوّة إنسانيّة ممكنة بدون حوار

السّفير البابويّ من بعبدا: لا أخوّة إنسانيّة ممكنة بدون حوار

هنّأ السّفير البابويّ في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري والسّفراء وممثّلو المنظّمات الدّوليّة، رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون بالأعياد، وكانت له للمناسبة كلمة بإسم السّفراء قال فيها:

“فخامة الرّئيس،

بداية، إسمحوا لي أن أعبّر لفخامتكم عن الشّكر الصّادق لاستقبالكم لنا، نحن السّفراء وممثّلي المنظّمات الدّوليّة، في مناسبة التّبادل التّقليديّ للأمنيات، في بداية السّنة الجديدة. إنّه لشرف لي أن أمثّل زملائي المحترمين، إذ نوجّه إلى فخامتكم وإلى كلّ الشّعب اللّبنانيّ أصدق وأفضل أمنياتنا بالسّلام وبالعيش الهنيء في سنة 2020. عسى أن تكون هذه السّنة اليوبيليّة سنة تجدّد للبنان.

صاحب الفخامة، لقد تسنّى لي، كما لكثيرين من السّفراء الحاضرين هنا، زيارة عدة مؤسّسات إنسانيّة وخيريّة في بلدكم الجميل. إنّ غالبيّة هذه المؤسّسات تابعة لمنظّمات دينيّة، وهي تستقبل الجميع بدون تمييز. تشهد كلّ هذه المؤسّسات للتّضامن العميق الّذي يحرّك المجتمع اللّبنانيّ، والّذي ينبع من القلب. يُذهلنا، جميعًا، كرمُ اللّبنانيّين وصلابتُهم. باستطاعة لبنان أن يكون، عن حقّ، فخورًا بأبنائه وبناته الّذين يجهدون لتأمين العناية والمساعدة الضّروريّتين للأطفال، والشّباب، والرّاشدين، والمسنّين، وخصوصًا لذوي الاحتياجات الخاصّة منهم.

بالمقابل، يعتري غالبيّة اللّبنانيّين انزعاج عميق بسبب ظاهرة مضادّة في المجتمع اللّبنانيّ تتمثّل بآفة الفساد، الّتي لطالما لقيت شجبًا من فخامتكم. للأسف، إنّ هذه الظّاهرة المضادّة تعرقل عمل الدّولة في خدمة جميع مواطنيها بشكل فعّال. إنّ الفساد يعيق الحكومة في تأمين تعليم جيّد، وعناية طبّيّة، وضمان اجتماعيّ، ومياه وكهرباء … إنّ هذه الآفة تحدّ من الحماية ومن الضّمانات الّتي تؤمّنها سيادة القانون.

لذا، ذُهلنا بالدّعوة الصّادقة إلى التّجديد القائم على الأخلاقيّات في البلد، الّتي أطلقها الشّباب خلال الأشهر الثّلاثة الماضية، حيث عمّت الاحتجاجات جميع الرّبوع اللبنانيّة. إنّ الشّباب، مصحوبين من الأجيال السّابقة، ومدفوعين من روح تضامن عميق، اجتمعوا حول العلم اللّبنانيّ، مطالبين بالاحترام لحقوقهم الثّابتة. لقد طالبوا أيضًا بإصلاحات سياسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة. فهم ضدّ الفساد، وهم يطالبون بغدٍ أفضل، وإنّهم لمستحقّونه.

إنّ الفساد يُبيد التّضامن. فهو يسمّم قلوبنا، وأفكارنا، وأعمالنا، ويعمينا، فلا نعود نعتبر الآخرين مساوين لنا في الكرامة. إنّه يحملنا إلى الاعتقاد بأنّ الآخرين هم مجرّد أشياء متوفّرة لنا، بإمكاننا التّصرّف بها ورميها حين نريد. إنّ الفساد يعيق الحوار الحقيقيّ والمشاركة الفعّالة للكفاءات. إنّ الحوار والمشاركة، عمليًّا، يشكّلان جوانب أساسيّة للتّضامن. وبالتّالي، يمكننا اعتبار التّضامن ترياقًا للفساد. فالحوار مستحيل إذا لم نعتبر بعضنا البعض متساوين. هذا الحدس الأساسيّ يكمن في عمق مبادرة فخامتكم في إنشاء “أكاديميّة اللّقاء والحوار”، الّتي أقرّتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 16 أيلول 2019. نرجو فخامتكم قبول أصدق تهانينا، وأفضل تمنيّاتنا لتنفيذ سريع لهذا المشروع الخيّر في خدمة الأخوّة الإنسانيّة في لبنان وفي العالم كلّه. 

لا أخوّة إنسانيّة ممكنة بدون حوار. إنّ المجتمع الدّوليّ، الممثّل هنا برؤساء البعثات الدّبلوماسيّة ومسؤولي المنظّمات الدّوليّة، لا زال يشدّد على ضرورة حوار صادق قائم على الاحترام بين القادة السّياسيّين أنفسهم، كما بينهم وبين أولئك الّذين يطالبون بالتّغيير الحقيقيّ. لا يستطيع الحوار أن يُقصيَ أيّ أحد: المؤيّدين، والمعارضين، وغير الرّاغبين بأخذ موقف مع أيّ طرف. لكلّ مواطن الحقّ في أن يُسمعَ صوتُه. إنّ أيّ نوع من العنف، نفسيًّا كان أم جسديًّا، يدمّر إمكانيّة الحوار، تمامًا كما يدمّرها إلقاء اللّوم، بشكل دائم، على الطّرف الآخر. والحوار الصّادق يتطلّب انفتاحًا، وإرادة صالحة، ورغبة في الوصول إلى اتّفاق، من خلال التّضحية ببعض المواقف والأفكار. كلّ ذلك، من أجل الخير العامّ. نجدّد اليوم التّعبير عن أمنيتنا الحارّة بأن يؤدّي الحوار والإرادة الصّالحة عند جميع الفرقاء المعنيّين، إلى تشكيلٍ سريعٍ لحكومةٍ يُكتبُ لها الحياة، لكي تقرّ الإصلاحات الطّارئة والضّروريّة وتوضع حيّز التّنفيذ، ولكي تُستعاد الثّقة لدى جميع اللّبنانيّين ولدى جميع أصدقاء لبنان. 

فخامة الرّئيس، يبدو أنّ احتفالات المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير محجوبةٌ بالثّورة اللّبنانيّة، وبالأزمة الماليّة والاقتصاديّة، وبالمشاكل المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة. ليست هي المرّة الأولى الّتي يمرّ بها لبنان بأوقات شديدة الصّعوبة. كلّ ضائقة شديدة تُنذر بنهاية حقبة، ولكنّها ليست أبدًا نهاية التّاريخ. إنّ اللّبنانيّات واللّبنانيّين سوف يتابعون، كمواطنين أحرار في بلد حرّ، كتابة فصول جديدة في تاريخهم. نحن مقتنعون أنّ اللّبنانيّين يُحسنون أخذ الموقف الصّائب لاكتشاف الفرص الجديدة الّتي تتظهّر من خلال الأزمة الحاليّة. اللّبنانيّون غير خائفين من الجراحات الّتي قد تسبّبها اللّقاءات الصّادقة بين البشر، لأنّهم يؤمنون أيضًا أنّ التّضامن يشفي كلّ جرح. في هذا الصّدد، أودّ أن أحيّيَ، بإجلال، دور المرأة اللّبنانيّة في المجتمع وفي الإدارة، وخصوصًا في الثّورة الحاليّة، لأنّها لا تطلب فقط تجديدًا جذريًّا، بل لأنّها تشهد أيضًا للتّضامن الفعّال. عسى أن يُلهمَ مثلها جميع الّذين يمسكون بزمام السّلطة، خصوصًا في القطاع المصرفيّ وفي السّياسة، لكي يكونوا موضع مساءلة، ولكي يأخذوا القرارات الصّائبة والأخلاقيّة الآيلة إلى خدمة لبنان ومواطنيه، خصوصًا في هذا الوقت العصيب. إنّ أصدق تمنيّاتنا هي أن تشكّل هذه المئويّة فرصة سانحة لإعادة اكتشاف الحدس الأساسيّ الّذي كان وراء تأسيس لبنان الوطن، ليس أوّلاً كوطن يجمع أقليّات، بل كجماعة من المواطنين الأحرار، ينصّ الدّستور عن الطّابع الثّابت لكرامتهم، ولمساواتهم، ولحقوقهم.

من غير الممكن إنهاء كلمتنا، بدون ذكر الوضع الحاليّ في الشّرق الأوسط. إنّنا جميعنا مرتبطون ثقافيًّا، بطريقة أو بأخرى، بهذه المنطقة من العالم، هذه المنطقة الّتي لا زالت تعاني من حروب لا تنتهي، والّتي تواجه اليوم تشنّجات متجدّدة. نتمنّى الاستقرار والنّموّ الإنسانيّ الكامل لجميع شعوب المنطقة. نريد، اليوم، حثّ جميع اللّبنانيّين على المثابرة الجلودة على الالتزام بالحرّيّة، وبالحقوق الأساسيّة، وبالدّيموقراطيّة، وبالتّضامن، لكي يظلّ اللّبنانيّون مصدر إلهامٍ ورجاءٍ عن إمكانيّة العيش المشترك والمتناغم، وعن التّطوّر، ليس فقط في بلاد الأرز، بل أيضًا في البلدان المجاورة.

فخامة الرّئيس، نرجوكم أن تقبلوا أصدق وأفضل الأمنيات للسّنة الجديدة، من كلّ رأس دولة من دولنا. إنّ لنا شرف تمثيل كلّ منهم لديكم. جميعهم يجدّدون صداقتهم مع لبنان، والتزامهم، النّابع من القلب، بدعم بلدكم الرّائع. نسأل الله الكلّيّ القدرة، في حكمته ورحمته، أن يُغدق بركاتِه، على فخامتكم وعلى عائلتكم، كما على جميع اللّبنانيّين، خلال سنة 2020، الّتي هي سنة مئويّة وسنة رجاء.

بارك الله لبنان! وباركنا جميعًا نحن الحاضرين هنا. وشكرًا.”

‫شاهد أيضًا‬

بيان صادر من إدارة مزار سيدة لبنان

صدر عن إدارة مزار سيدة لبنان حريصا البيان التوضيحي التالي:بعد انتشار بعض الفيديوهات عبر وس…