أبريل 20, 2023

الله: الصّديق الأوفى

ريتا كرم

“الصّداقة مدينة مفتاحها الوفاء، وسكّانها الأوفياء. هي شجرة بذورها الوفاء وأغصانها الأمل وأوراقها السّعادة.”

إنّها البئر الّذي ترمي في داخله كلّ أسرارك من دون تردّد، إنّها المرآة الّتي تعكس صورتك من دون ستر تشوّهاتك وعيوبك، إنّها الصّيد الثّمين الّذي لا ينجح الكلّ في اصطياده وإن فعلوها فربّما لا يمتلكون المهارة الكافية للحفاظ عليه.

هي كلمة صغيرة وبسيطة ولكنّها عميقة وكبيرة. فمع الصّديق حكايات لا تنتهي، قصص يخزّنها الأصدقاء في ذاكرة السّنوات. فيها الضّحك الطّويل والبكاء المرير. فيها كمّ من الأسرار فحتّى الجدران لو كان لها أذنان لم تكن لتنجح في استيراق السّمع. فيها: محبّة وشراكة، عطاء وتضحية، وفاء وعزاء، خصام ووفاق… فيها تجتمع كلّ المشاعر الإنسانيّة لتلخّص لغة لا يفهمها إلّا من كان له صديق سمّاه “حميماً”.

فكم من دمعة تشاركتَ وصديق؟ كم من مرّة أفرج عنك بنصيحة وخفّف من ثقل همومك بمجرّد أن أصغى إليك؟ كم من حوارات لم تنتهِ قبل ساعات الفجر الأولى لأنّ مضامينها ملحّة؟ فالصّديق هو الملجأ الأوّل والأخير في الفرح والحزن. هو يعرف عن كلّ “أوّل” في حياتك، ويشهد على كلّ ما لحقه مذّاك: أيّامك الحالكة والمشرقة، يفهمك من نظرة أو إشارة، يتقبّلك ويحبّك كما أنتَ، هو يعرف أغنية قلبك، لا ينساها، يدرك كلّ نوتاتها، وإن نسيتَها هو جاهز أن يذكّرك بها، لا بل أن يعزفها لك. باختصار، هو أنتَ وأنتَ هو مهما طالت المسافات أو قَصُرت.

ولكن، كثيرون تعثّرت خطواتهم وفقدوا أصدقاءهم وماتت ثقتهم بالآخر نتيجة مشكلة ما، فدفنوا الصّداقة بعيدًا عنهم لأنّ جرحًا ما تسبّبه سوء فهم لا يريد أن يُختم، فتذبل تلك الزّهرة ولا يعود أيّ ماء يرويها أو ينمّيها، وتصبح تلك الأرض قاسية غير قابلة لزرع جديد.

ولكن واحد فقط قادر على إعادة الأمور إلى مجاريها، هو “الله” الصّديق الأوفى الّذي لا يتخلّى عنك مهما أخطأت. إن طرقت بابه شرّعه لك على مصراعيه واستقبلك في كلّ حالاتك الجسديّة والنّفسيّة، أصغى إليك وتقبّل عتبك وغضبك لأنّه يحبّك أكثر من أيّ شيء، أصغى- بهدوء مطلق- إلى أحاديثك الطّويلة وتفاصيلها المملّة. وفي فورة غضبك، تراه الوحيد الّذي يسكّن عاصفة قلبك.

هو يلازمك كظلّك من دون أن تدرك، في البيت كما في العمل وفي أماكن اللّهو، أينما ذهبتَ هو معك. عنده الجواب على كلّ سؤال، فما لا تجيبك عليه الأرض تمطره عليك السّماء، وبغزارة، لأنّه هناك لديك “صديق” يدرك عوزك ويعلم كيف يفرحك.

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…