المطران إلياس عوده: “نحن مدعوّون إلى أن نثق بالربّ إلى ما لا نهاية”
Noursat | “نحن مدعوّون إلى أن نثق بالربّ إلى ما لا نهاية”: المطران إلياس عوده
إحتفل المطران إلياس عوده، متروبوليت أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس، بقدّاس نهار الأحد ٢٧ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٤ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت بحضور شخصيّات وفاعليات من المنطقة وقد تناول المطران في كلمته شؤونًا كنسيّة ووطنيّة.
بعد قراءة الإنجيل عن إحياء ابنة يايرس، قال المطران: “أحبّائي، سمعنا في إنجيل اليوم أنّ الربّ يسوع أقام ابنة رئيس المجمع يايرس التي كانت في الثانية عشرة من عمرها وقد مرضت وماتت. هذه المعجزة تتلاقى مع معجزة أخرى صنعها الربّ في طريقه نحو بيت يايرس، فقد شفى نازفة الدم المصابة بدائها منذ اثنتي عشرة سنةً أيضًا وقد “أنفقت معيشتها على الأطبّاء ولم يستطع أحدٌ أن يشفيها”. هذه المرأة أيقنت، بالإيمان، أنّ يسوع هو شافيها واكتفت بلمس هدب ثوبه، عالمةً أنّها ستبرأ. لقد انتزعت شفاءها انتزاعًا ولم تيأس مع علمها بأنّها خاطئةٌ ودنسةٌ فاستحقّت قول السيّد: “ثقي يا ابنة، إيمانك أبرأك”.
إنّ اسم رئيس المجمع “يايرس” يعني المستنير وهو إشارةٌ إلى الناموس، أمّا العدد إثني عشر فيشير إلى أسباط إسرائيل الإثني عشر. فبدل أن يستنير الشعب اليهوديّ بنور الناموس ويحيا بنعمة روح الله وكلمته، اختار تطبيق هذا الناموس حرفيًّا فأضحى بحاجة إلى لمسة قياميّة لا يمتلكها إلّا المسيح يسوع الذي خرّ يايرس عند قدميه وطلب إليه أن يدخل بيته كي يشفي ابنته قبل أن تموت، لكنّها ماتت وهو في طريقه نحوها فأقامها يسوع من سبات الموت”.
أضاف المطران: “لقد آمن رئيس المجمع اليهوديّ بالمسيح لكنّ إيمانه كان أضعف من إيمان قائد المئة الوثنيّ، لأنّ رئيس المجمع طلب من السيّد أن يأتي إلى بيته ليشفي ابنته، أمّا قائد المئة ذاك فقد آمن بأنّ المسيح قادرٌ أن يشفي غلامه بكلمة منه، من دون الحاجة إلى حضوره في البيت فقال له يسوع: «كما آمنت ليكن لك، فبرأ غلامه في تلك الساعة» (مت 5)
كان الربّ يجترح معجزاته مع البشر ناظرًا إلى تنوّعهم الثقافيّ والإيمانيّ، ويستجيب لكلّ واحد منهم حسب استيعابه وحسب الدرس الذي يريد تلقينه. حتّى إنّه كان يصطحب تلاميذه ليس للظهور بمظهر العظمة، إنّما كي يشهدوا على ما يصنعه ويتعلّموا حتّى يقوموا بالمثل متى جاء دورهم.
لقد أعطى المسيح رئيس المجمع اليهوديّ الذي كان إيمانه ضعيفًا، درسًا في الإيمان، عبر شفائه نازفة الدم علانيةً، وهي امرأةٌ مجهولةٌ، لمست هدب ثوبه فقط فشفيت بسبب عظمة إيمانها.
يشير شفاء نازفة الدم وبعدها إقامة ابنة يايرس إلى التقاء الأمم واليهود بالمسيح كطبيب للنفوس والأجساد وواهب للحياة. إقامة ابنة يايرس بعد شفاء النازفة إشارةٌ إلى أنّ المسيح لم يرسل فقط إلى الشعب اليهوديّ الذي يعتبر نفسه شعب الله المختار، بل جاء لخلاص الأمم جميعها، حتّى الوثنيّين منهم، إذا آمنوا به وحفظوا وصاياه، على عكس اليهود الذين رفضوا المسيح والحياة معه، وتمسّكوا بحرفيّة الناموس.
إنّ الخبر الذي حمله المرسل الآتي من بيت رئيس المجمع وطلبه ألّا يأتي الربّ لأنّ الفتاة قد ماتت، يُظهران أنّ قومه رأوا في السيّد مجرّد معلّم، وليس إلهًا وربّ الحياة. إلّا أنّ المسيح حسم الأمر قائلًا: «لا تخف، آمن فقط فتبرأ هي» مشجّعًا الأب الحزين ومبدّدًا خوفه، مؤكّدًا له أنّ مجيئه لم يكن عبثًا، ومشدّدًا إيمانه كي يتحقّق رجاؤه.
أبعد الربّ الذين كانوا يبكون ويلطمون. مع أنّهم يهودٌ ويفترض أنّهم مؤمنون بالله، إلّا أنّهم أظهروا العادات الوثنيّة التي تمارس في الجنازات، والتي لا تعبّر سوى عن الاعتراض على مشيئة الله. هؤلاء لم يفهموا ما كلّمهم به الربّ فضحكوا. ضحكهم كان تأكيدًا لموت الفتاة، وتاليًا على أنّ المعجزة التي ستحدث هي حقيقيّة. نحن كثيرًا ما نظنّ أنّ الربّ يقول أمورًا غير منطقيّة، إلّا أنّنا ننسى أنّ منطقنا محدودٌ، ولا يمكننا أن نفقه الكثير من خططه الخلاصيّة. لذلك، نحن مدعوّون إلى أن نثق بالربّ إلى ما لا نهاية، وأن نلتجئ إليه حتّى نقوم من موت خطايانا، ونحيا معه إلى الأبد”.
“يا أحبّة”، تباع المطران، “ما أحوجنا في لبنان إلى الإيمان الحقيقيّ بالله، وإلى الثقة التامّة والرجاء بما سيقدّمه لنا. «لا تخف، آمن فقط». هذا ما يطلبه منّا الربّ الذي لا يرذل القلب المتخشّع والمتواضع، كما فعل مع نازفة الدم.
إنجيل اليوم يشكّل علامة رجاء للمؤمن. عندما ماتت ابنة رئيس المجمع راح الجميع “يبكون ويلطمون” أمّا يسوع فطمأنهم قائلاً: “لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنّها نائمة”، ثمّ أمسك بيدها قائلًا «يا صبيّة قومي”. هذا يعني أنّ ما ليس مستطاعًا عند الناس مستطاعٌ عند الله. ولبنان المتروك لمصيره سيقوم من كبوته لا محالة بفضل من تبقّى من أبنائه الواضعين رجاءهم في الربّ، غير يائسين من خلاصهم وخلاص بلدهم. قد يسخر منطق العالم من يقين الإيمان لكنّنا نحن، معشر المؤمنين، على يقين من أنّ الموت ينتفي حيث يكون المسيح معطي الحياة”.
عيد دخول سيّدتنا مريم العذراء إلى الهيكل
الرسالة إلى العبرانيّين 2 : 14 – 18 3 : 1 – 6 يا إخوتي، بِمَا أَنَّ الأَب…