يناير 24, 2022

سويف من شكّا: حضورنا في الشّرق هو شهادة للوحدة

إحتفل رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف، ولمناسبة أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين بالصّلاة، في كنيسة سيّدة الخلاص- شكّا، وذلك نهار الخميس بحضور: مطران طرابلس وتوابعها للرّوم الأرثوذكس أفرام كرياكوس، مطران طرابلس والشّمال للرّوم الملكيّين الكاثوليك إدوار ضاهر، مطران أبرشيّة طرابلس المارونيّة منير خيرالله، والنّائب البطريركيّ العامّ على منطقة الجبّة المطران جوزيف نفّاع، ولفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين.

وفي كلمته شكر راعي الأبرشيّة الأساقفة على حضورهم والمشاركة بالصّلاة، مؤكّدًا أنّ قلب الرّبّ يفرح ونحن نُصلّي مجتمعين، مع الكهنة والرّاهبات، ومع القيّمين المدنيّين.

وتابع: “إختبار الصّلاة في هذا الأسبوع لأجل وحدة المسيحيّين وكما ذُكِرَ في المقدّمات هو بالتّأكيد ليس أسبوعًا في حياة وقلب كلّ معمّد ومعمّدة، بل كلّ يوم هو صلاة لأجل وحدة المسيحيّين لكي من خلال حياتنا، وشهادتنا ليسوع المسيح نقترب من هذه الرّغبة والشّوق، وهذه الصّلاة الّتي صلّاها عشيّة آلامه، عندما كان يُخاطب الآب ويقول: ليكونوا واحدًا كما أنا وأنت أيّها الآب واحد.

نتّحد من الشّمال من أبرشيّتنا ومن رعايانا مع العالم بأسره الّذي يُصلّي بطريقة خاصّة في هذا الأسبوع لأجل وحدة المسيحيّين حيث يُطلَب منّا مجهودٌ ومبادرات روحيّة ورعويّة هي جدًّا مباركة وتُفرح قلب الرّبّ، ولكن دعونا نعرف تمامًا أنّ من يصنع الوحدة، ومن يُحقّقها هو الله، هو الرّوح القدس، إنّه يعلم الزّمان ومتى تأتي السّاعة، فالأهمّ في اختبارنا الإيمانيّ أن نعكس حقيقة إرادة الرّبّ، وأن نتشبّه بيسوع في حياتنا الرّوحيّة، والرّعويّة، والاجتماعيّة والرّسوليّة، ونسعى لذلك، كما يقول لنا مار بولس: تخلّقوا بأخلاق المسيح. فعلى فكرنا، وأخلاقنا، ومنطقنا أن يكون سعيًا دائمًا ليتناغم ومنطق المسيح، وفكره وقلبه.

المسيح الّذي ظهر والّذي أتى المجوس إليه ليسجدوا وقدّموا له الهدايا، وهو عنوان هذه السّنة. فبالتّأكيد جئنا نسجد للمسيح الّذي نحن بحضرته في هذا المساء والأسبوع رافعين صلاتنا، وقلوبنا، ونوايانا وأفكارنا، جئنا نسجد بكلّ مرافق الحياة لأنّ المسيح هو الّذي ظهر: أشرق النّور على الأبرار والفرح على مستقيمي القلوب. يسوع المسيح كلمة الله المتجسّد ظهر في بشريّتنا على الأرض، ظهر ومن خلال هذا الأدب اللّاهوتيّ الإنطاكيّ السّريانيّ يُحكى عن ثلاث ظهورات ليسوع المسيح:

الظهور الأوّل: ونحن لا نزال نعيش بزمن الظّهور الإلهيّ، إن كان الميلاد، أو الغطاس، فالظّهور الأوّل هو في أحشاء مريم، ظهر المسيح في أحشاء مريم. والظّهور الثّاني: هو في أحشاء المعموديّة، والظّهور الثّالث: والذي كمّل حضوره في أحشاء مريم وحضوره في مياه المعموديّة اختتم وأخذ كلّ معناه واكتمل بالفصح المجيد، على الصّليب، وبنزول الرّبّ إلى الجحيم في القبر فحوّل كلّ موت إلى حياة إذ ظهر المسيح من أحشاء الجحيم.

يُركّز الأدب اللآهوتيّ الرّوحيّ الإنطاكيّ على هذه الظّهورات الثّلاث، فيُصبح المسيح فصحنا، وسلامنا وركيزة حياتنا، والمسيح الفصح والّذي هو فصحنا من خلال هذا الظّهور المُثلّث والّذي هو ظهور واحد من خلاله حقّق مشروع الآب الخلاصيّ أعطانا الحياة الأبديّة إذ نزع عنّا الثّوب القديم، حلّة آدم والّتي من خلال كبريائنا فقدناها، ويسوع المسيح أعادها إلينا، إنّها الحلّة الأولى، حلّة آدم الأوّل، لذلك نحن في هذا الزّمن كما يقول مار بولس: ومن خلاله نحن نّجدّد انتماءنا إلى المسيح، انتماءنا الّذي بدأناه بالمعموديّة: نحن الّذين تعمّدنا في المسيح قد توشّحنا بالمسيح، قد لبسنا المسيح، أيّ لبسنا الحياة الأبديّة.”

وأكّد سويف أنّ “يسوع المسيح يُتابع ظهوره بحياتنا، وحضوره المفرح، هذا الظّهور الدّائم من خلال الكلمة، عندما تُعلَن كلمة الله بالكنيسة، بالجماعة، عندما نقرأ الكتاب المقدّس هو ظهور دائم ومستمرّ ليسوع المسيح في العقل والقلب والكيان الإنسانيّ، في الكيان المسيحيّ لأنّ هذا الكيان يتجدّد بيسوع الكلمة، لذلك من خلال اختبار هذه الصّلاة لأجل وحدة المسيحيّين علينا أن نسعى لنعيش العودة إلى الله بالتّوبة إلى الكلمة الّتي أحيانًا كثيرة بحياتنا اليوميّة نكون بعيدين عنها، نحن نعيش مسيحيّتنا والوحدة في المسيح بالعودة إلى كلمة الله الّتي هي المصدر الأساسيّ لتجديد حياتنا، وفكرنا، وانتمائنا إلى الرّبّ يسوع، هذا الانتماء الّذي ابتدأ بالمعموديّة بالماء والرّوح.

ظهور يسوع الدّائم يكون في الإفخارستيّا، بالقربان، باشتراكنا بالمائدة المقدّسة والّتي طبعًا هي عربون المائدة السّماويّة، هي الذّوّاق المسبق للمائدة السّماويّة وهي اشتراكنا بحياة الله لذلك نحن نعلم أنّنا عندما نكون في القدّاس، في بداية الصّلاة الإفخارستيّا عند تلاوة: محبّة الله الآب ونعمة إبنه الوحيد وشركة الرّوح القدس، نحن ندخل في علاقة مع الله الثّالوث من خلال يسوع الّذي يُقدّم ذاته والّذي يُعطيناها مأكلاً ومشربًا: خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا إشربوا هذا هو دمي.

الوحدة تتحقّق من خلال الإفخارستيّا الّتي هي ذروة الشّركة مع الله والّتي هي التّعبير الأجمل لوحدتنا بيسوع المسيح ومع بعضنا البعض. ظهور يسوع لا يتوقّف في ظهوره بالكلمة، وبالقربان، بل ظهور يسوع يتابع ويكتمل بخدمة المحبّة بخدمتنا للإنسان المتألّم الّذي نرى فيه المسيح: كلّ ما صنعتموه مع إخوتي الصّغار فلي صنعتموه. يظهر يسوع بالإنسان خصوصًا المتألّم، ففي لبنان الجرح كبير جدًّا، وبهذا الشّرق نعرف جميعنا المشاكل الموجِعة ولكن يجب أن نعلم أنّه من خلال حضورنا، حضورنا المسيحيّ، حضورنا نحن كجماعة مُعمّدة بقلب وطننا، في قلب هذا الشّرق، يظهر ويتجلّى وجه يسوع المسيح بخدمتنا للإنسان، الإنسان المجروح، الإنسان الّذي فقد كرامته، هذا الإنسان الّذي تجسّد يسوع لأجله. كنّا نقول حضوره في الأحشاء، في أحشاء مريم وفي المعموديّة وفي الموت والقيامة لأجل الإنسان.

نحن علينا مسؤوليّة يا أحبّائي وبهذه الطّريقة نحن نشهد للمحبّة وللوحدة بيسوع المسيح.

نعم نحن أحيانًا في تعابيرنا، وأحاديثنا نقول: أين أصبحنا في لبنان؟ في هذا الشّرق؟ لا نفقدنّ الرّجاء، فظهور المسيح يستمرّ في هذا الشّرق من خلالنا، فهذا الظّهور بدأ من هنا في هذه المنطقة وانطلق إلى كلّ العالم والّذين حملوه ونشروه كان عددهم قليل جدًّا ونحن اليوم أكثر منهم ولكن ما هو المطلوب؟ المطلوب منّا هو أن نتكمّش بالإيمان، نعرف أنّ حضورنا ليس حضور مُسطّح، اجتماعيّ، حضورنا هو حضور تبشيريّ، رسوليّ، شاهد، حضورنا شاهد عندما يكون هكذا يكون حضورًا محوّلاً: أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم. حضور يسوع من خلالنا يستمرّ في هذا الشّرق. حضورنا وهنا مسألة عزيزة على قلوبنا جميعًا هو شهادة للوحدة.  

نعم يا أحبّائي، نعم للصّلاة، فالوحدة تتحقّق بالصّلاة، نعم للصّلاة بالتّأكيد وكما قلنا ليس فقط لمرّة واحدة ففي كلّ مرّة أنا أفرح عندما أُشارك بالصّلوات بالكنائس الشّقيقة وحقيقةً أشعر عندما يُصلّي المؤمنون في كنائسنا ونقول لأجل وحدة المسيحيّين بألّا يكونوا منقسمين أنا أشعر أنّ النّاس من كلّ قلبها تُصلّي لأنّ هذه هي رغبة يسوع المسيح وبهذه الطّريقة نُتمّم إرادته.”

وتابع منوّهًا إلى التّعاون الرّعويّ بين الكنائس، فقال: “أقول أكثر من هذا، نعم للتّعاون الرّعويّ بيننا ككنائس في لبنان وفي هذا الشّرق، لما لا، نعم لتجديد الحياة الرّهبانيّة والنّسكيّة الّتي من خلالها انطلقت المسيحيّة وانطلق الإيمان إلى كلّ العالم، بهذه الطّريقة تكون أديارنا حقيقة منارة، تكون فسحات يتجدّد عبرها الإيمان، معًا في خدمة الإنسان وكلّ إنسان، بدون تقوقع، فنحن بحياتنا لم نكن البتّة منغلقين على ذواتنا لأنّ يسوع أتى للجميع ووحّد الجميع.

رأينا المجوس اليوم، جاؤوا واليهود والكنعانيّون موجودين، كلّ الشّعوب توحّدت في يسوع المسيح ولأجله، لذلك ثقافتنا رعويّتنا تواصلنا يجب أن يكون مع جميع النّاس لأنّ المسيح أتى للجميع ووحّد الجميع بصليبه، معًا في خدمة هذه المنطقة الّتي نوجَد فيها والّتي هي بأمسّ الحاجة اليوم إلى السّلام، منطقة فيها حرب، فيها بغض، فيها انقسامات لا تنتهي، فيها جراح، فيها مُهجّرين، فيها لاجئين، فيها نازحين، فيها ويلات عديدة.”

وأنهى كلمته: “نعم يا أحبّائي، لدينا دور أساسيّ جدًّا في هذه المنطقة لإرساء السّلام ومنطق الغفران وعيش شهادة من خلالها ننشر ثقافة الحوار والمرافقة والإصغاء.

نعم لكنيسة سينودسيّة وهذا عنوان أساسيّ نعيشه في هذه المرحلة من حياتنا الكنسيّة. نسير معًا أيّها الأحبّاء بقلب منفتح على الرّوح القدس، الرّوح الّذي يُوحّد، الرّوح الّذي يشفي الجراح، الرّوح الّذي اختبرته العذراء مريم نجمة الشّرق تقودنا إلى ابنها يسوع شمس البرّ والحقّ والحياة له المجد والسّجود والإكرام إلى أبد الآبدين آمين.”

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يكتب توطئة كتاب جديد للكاهن لوتشو بونورا حول البابا بيوس العاشر

البابا فرنسيس يكتب توطئة كتاب جديد للكاهن لوتشو بونورا حول البابا بيوس العاشر – Vati…