ديسمبر 2, 2020

«طوبى للفقراء بالرّوح فإنّ لهم ملكوت السَّماوات» ونحنا عن أي عيد عم نحكي…

جوهر الميلاد... في عيون البابا فرنسيس

عن أي عيد عم نحكي و أشخاص المغارة والشجرة ب ٥ ملاين ليرة؟ يمكن نسينا انو يسوع فقير؟

من الفقر إلى الفقر الرّوحيّ

لماذا اخترت هذا الموضوع؟ أوّلاً في الكنيسة نشدّد على الاهتمام بالفقراء في زمن الميلاد، وثانيًا نحن جميعًا، ما عدا بعض الاستثناءات، نعيش بدرجات تختلف قليلاً، شكل من أشكال الفقر، بالإضافة إلى أنّ يسوع يقول لنا بأنّ ملكوت السّماوات هو للفقراء بالرّوح.

فالموضوع مهمّ جدًا لحياتنا المسيحيّة والرُّوحيّة وبشكلٍ خاصّ في الظروف التي نعيشها في هذه الأيّام. سوف أتحدّث أوّلاً عن تطوّر مفهوم الفقر والفقراء على مسار الكتاب المقدّس، ثمّ سأحاول أن أشارككم كيفيّة العبور من الفقر، بمختلف أشكاله، إلى الفقر بالرّوح الذي يشكّل بطريقة ما

جوهر دعوتنا كأبناء وبنات لله. سأتوقف إذن على التطويبة الأولى.

«طوبى للفقراء بالرّوح فإنّ لهم ملكوت السَّماوات».

لكي نفهم معنى كلّ تطويبة مُعلنة من قبل يسوع: طوبى للفقراء، للعطاش، إلخ… علينا أن نأخذ بالاعتبار ثلاثة عوامل:

1- أصل التطويبة، أي معناها في العهد القديم وفي اليهوديّة الذي ألهم يسوع والإنجيليِّين، أي مصدر الكلمة أو الارتباط الكتابي.

2 –  إطار الإنجيليّ متى، الذي يشير إلى إعادة تأويل النصوص الأساسيّة. يسوع يتمِّم العهد القديم ويحمل له معنى جديد.

3 – شهادة حياة يسوع بقدر ما يوجد رابط بين ما يحمله الإنجيل من جديد والتطويبات الخاصّة.

الكلمات التي، في العهد القديم، تتحدّث عن الفقراء هي عبارات واقعيّة: إنّهم المتسولون والمحتاجون، من يعبّر للآخرين عن احتياجاته. الضعيف والمنحني. هذه العبارات، من الكتاب المقدّس العبريّ، تعبّر عن موقف جسديّ للفقير. في العهد القديم نجد نوعين من الفقراء.

1 –  المحتاجين، هم الذين، ماديًا، لا يستطيعون تأمين حاجاتهم، الأرملة ومن هم في العوز.

2 –الفقراء الودعاء، أنقياء القلوب، المتواضعين الذين يثقون بالله.

تطويبات الإنجيليّ لوقا تستند إلى الفئة الأولى.  المحتاجون ويأتي الله لنجدتهم. لهذا السّبب يفضل الفقراء بكلّ بساطة. إنّه الفقر ــــ حالة، الفقر المادي «طوبى لكم أيّها الفقراء فإن لكم ملكوت السّماوات». بينما تطويبات الإنجيليّ متّى تعود للفئة الثانية…. فقراء القلب، إنّه الفقر الدّاخليّ. بالطبع نحن أحياناً محتاجون، وأحياناً فقراء القلب.

التعارض لدى متّى ليس بين فقير وغنيّ، إنّما بين فقير ومتكبّر. ما يميّز المتواضع، الفقير بالرّوح، هو أنّه شخص يثق بالله. وفي سفر صفنيا نرى بوضوح هذا الأمر: «في ذلك اليَومِ لا تَخجَلينَ مِن جَميعِ أَعمَالِكِ الَّتي عَصَيْتني بِها لِأَنِّي حينَئِذٍ أَنزعُ مِن وَسْطِكِ المتَباهينَ المُتَكَبِّرين فلا تَعودينَ تَتَشامَخينَ في جَبَلِ قُدْسي.  وأُبْقي في وَسَطِكِ شَعْبًا وَضيعًا فَقيرًا فتَعتَصِمُ باسم الرَّبِّ» (صف 3، 11 – 12).

 لدينا هنا أفضل وصف للفقر بالرّوح. والمزمور هو صلاة هؤلاء الفقراء الذين يتّكلون على الله: «الربّ قَريب مِن مُنكَسِري القُلوب ويُخَلًصُ مُنسَحِقي الأرْواح» (مز 34، 19). طوبى لمن لهم قلب فقير لا تعني قبل كلّ شيء طوبى لمن تخلّوا عن الغنى، إنّما «طوبى لمن يثقون بالله، أو يسلمون ذاتهم لله». يمكننا القول بأنّ هذه التطويبة الأولى هي تطويبة الأيديّ الفارغة، الأيديّ المفتوحة، للقلب المفتوح. فقير الكتاب المقدّس، المتواضع ــــ وبشكلٍ خاصّ في المزامير ـــــ هو:

* الإنسان بدون دفاع، ضحيّة ولعبة الظلم. ويقبل، بدون تذمر، حالته المزرية ويوجّه لله وحده نظره ورجاءه. الفقر بحسب الإنجيليّ متّى أصبح طريق، أسلوب روحيّ أقرب إلينا. يمكننا التفكير بالقدِّيسة تريزا التي غرفت من الإنجيل طريق التواضع، والطفولة الرُّوحيّة، والرَّجاء.

 الفقراء بالرّوح لدى متّى يعبّرون عن موقف روحيّ أكثر من واقع جسديّ أو اجتماعيّ. الفقير بالرُّوح هو من يبحث بتواضع عن الله، من يلتجئ إليه، يخافه، ويخدمه. «إنّي إِلى هذا أَنظُر: إِلى المِسْكينِ المُنسَحِقِ الرُّوح المُرتعِدِ من كَلِمَتي» (أش 66، 1 – 2). ممّا يعني أنّ الفقير هو من يعترف، يقبل شقاؤه. فقره:

الجسديّ: الصّحة التي تضعف، والقوى التي تنقص وبالتالي الحاجة والمساعدة.

النفسيّ: جروحاتنا الشخصيّة، العائليّة والجماعيّة.

الفقر الأخلاقيّ: الشّقاء، التصدّعات التي لا يعرفها إلّا الشّخص ذاته.

شقاء عاطفيّ: فقر في علاقاتنا العائليّة، المهنيّة والجماعيّة.

فقر روحيّ: رفضنا للحبّ، خطايانا وقلبنا المنغلق.

نجد هذا الموقف بشكلٍ خاصّ في المزامير: فقير ومتألّم، فقير ووحيد، وغالبًا فقير وتعيس. إطار المزامير يشير بوضوح أنّ الموضوع ليس الفقر الماديّ، إنّما الفقر النفسيّ، الأخلاقيّ والرّوحيّ بالإضافة إلى الخطيئة. «إِلَيَّ اْلتَفِتْ واْرحَمْني فإِنَي وَحيدٌ بائِس» (24، 16).

 في القرون الأخيرة قبل المسيح، الفقراء، هم المحتاجون، الجياع والعطاش لله، الذين يبحثون عن الله.

فالفقير هو مَن يعي شقائه، جرح خطيئته، وهذا الوعي يوجّه الفقير باتّجاه الله.

وفي أغلب الأحيان، الصّرخة «إنّي فقير» تؤدّي إلى نداء لله، «عندما يدعو الفقير فالله يسمع».

الفقير هو من يعي لفراغ بداخله ويتوجّه لله.

 هؤلاء الفقراء يعلموننا من خلال خبرتهم المؤلمة للنقص، بأنّ الله لا ينبعث إلاّ في القلوب المستعدة والمنفتحة على عمله. فللفراغ هناك الملء. الفقراء بالرّوح هم الأشخاص الذين ينحنون داخليًا، ويخضعون كليّة لله ليغرفوا منه قوّتهم.

 تطويبة الفقراء بالرّوح تشكّل جواب مكافأة على الانتظار الطويل لفقراء العهد القديم.

 لم يعطِنا يسوع نظريّة حول الفقر. لم يكتب دفاعًا عن الفقر. لدى يسوع، الفقر ليس بعقيدة، إنّما حياة. ولد على القش، مات على الخشب، لا مثل يعقوب، إنّما فقير بطريقته. لا معوز ولا بائس.

 لا يبدو أنّه يكره الوجبات الطيّبة ولا يستنكف عن المشاركة في الموائد. رأيناه مع امرأة تصبّ على قدميه عطرًا غاليَ الثمن. أعلن البُشرى للفقراء، للمعوزين. ولأنّه عاش الفقر يستطيع يسوع أن يعلنه «سعيدًا».

في نهاية التطويبة الأولى «طوبى للفقراء بالرّوح» يضيف يسوع: «فإنّ لهم ملكوت السّماوات». إنّهم المتواضعون بأيدي ممدودة، مفتوحة تعترف بنقصهم، ويخلقون الفراغ ليستقبلوا الملء. يسوع يريد أن يراني أنشر فقري فيه ليتحوّل إلى غناه. وبولس الرّسول يتحدّث عن تحرّر يسوع المسيح. كيف هو الغنيّ وقد جعل من نفسه فقيرًا ليُغنينا بفقره (2 قور 8، 9).

إذا أردنا أن نعيش التطويبة لكي يتكوّن يسوع فينا، علينا الاستمرار بالنظر إلى حياة يسوع ونتأمّلها. يسوع يحتاج إلى أب: «لَيسَ تَعليمي مِن عِندي بل مِن عِندِ الَّذي أَرسَلَني» (يو 7، 16). فالفقير بعد مجيء يسوع لم يعد المتسول، الجائع، والعاطل عن العمل.

 إنّه الإنسان «الطبيعيّ» إنّ صحّ التعبير، الذي يعيش واقعه ككائن إنسانيّ، يعيش إنسانيته مع حاجاته. الفقير، هو الإنسان الذي، مغمور بالألم وتحت نور الله، يعي معنى أن يكون مخلوقًا وليس الخالق.

الفقير هو الإنسان الذي يعلم أو يشعر بأنّه مريض أو يشيخ، ضعيف، هشّ وصغير، يستقبل ما يحتوي الفقر من العزلة في الفقر، وعدم الأهليّة ويقبلها.

 باختصار، هو الإنسان الذي اكتشف حدوده ويمكنه أن يجعل من صلاة المزمور صلاته: «أَمِلْ يا رَبِّ أُذُنَكَ وأستَجبْ لي فإنِّي بائِسٌ مِسْكين» (86، 1). الفقر بالرّوح يشكّل مفتاح التطويبات الأخرى. إنّه يفتح باب الملكوت على مصراعيه. باب ضيّق، الفقر هو العبور الإلزامي لعدم التملّك والتخلّي.

 الفقير بالرّوح، فقير القلب، هو من ليس لديه شيئًا، ولا يملك شيئًا، وينتظر كلّ شيء من الآخرين، إنّه بحاجة للآخرين ــــ أيدي مفتوحة وقلب مفتوح ــــ. فقط الفقير بالرّوح، يمكنه أن يحبّ لأنّ الحبّ يعني الحاجة إلى الآخر. أن يكون الإنسان فقيرًا  بالرّوح، يعني أن يكون في حالة استقبال.

 مثل من يأخذ حمام شمس، فهو ليس بحاجة للقيام بأي شيء لكي تدفئه الشّمس، تدخل فيه. يكفي بكلّ بساطة أن يكون هنا ويقدّم ذاته لعمل الشّمس، لشعاعها. حتى ولو آمنت بالشّمس، إن لم أعرّض ذاتي لها لا تعطيني شيئًا. أن أعرض حاجاتي لله، أمر «طبيعي»، أمّا أن أعرضها للآخرين، فليس دائمًا بالأمر السّهل.

 الفقر الجذريّ ينتزع الإنسان من كلِّ ما يشكّل عقبة للعطاء الكامل للحبّ. هذا الفقر هو انفتاح على «الاجتياح» ومع ذلك فهو يؤدّي إلى الحريّة الداخليّة. الفقير الحقيقيّ لا يعرف المرارة عندما يمدّ يده. إذا عشت هذا الموقف بينما آخرون يمدّون لي أيديهم، فأنا استقبلهم «كفقير بالرّوح» وليس كمتبرّع أو محسن كريم يتخلّى بكلِّ كرم عن حقوقه ويجعل الآخرين يشعرون بذلك.

 الفقير الحقيقيّ، تلميذ يسوع المسيح، دائمًا مُجرّب ليقول شكرًا عندما يعطي. الفقير هو من يكون له قلب مستقبل لكلِّ إنسان، قلب جديد دائمًا جاهز للاندهاش، وليترك نفسه يستغوي إلى حدٍّ ما على مثال إرميا: «قد استَغوَيتَني يا رَبُّ فاستُغْويت» (20، 7 – 13).

عندما نكون فقراء، عفوياً نتأمّل لأنّنا نشعر بأنّنا بحاجة إلى الآب والابن والرّوح القدس.

من ليس له شيئًا، لا شخصَ يمكنه أن يستند إليه، من لا يمكنه أن يمجّد ذاته على استحقاقاته وحقوقه وفضائله، من ليس لديه ما يقدّمه سوى بؤسه، هذا هو بالفعل فقير، والله يأتي إليه مسرعًا.

 فراغ الذات يدعو ملء الله.

هذا الفقر يحتوي على شيء من الفرح، لأنّ إلهي وأبي هنا. هذا الفقر يطوّر هذا الموقف للانتظار ـــ للرّغبة ـــ للاستعداد ـــــ للثقة التابعة والتي هي ثقة الفقير لله الذي يميّزه موقف التواضع. والعذراء مريم اتّكلت كليّة على الله في يوم بشارتها: «فليكن لي بحسب قولك»، هذه العبارة تشكّل برهان على ثقتها المطلقة بالله. قلب مريم متخلّي بالعمق، ممّا سمح لتجسّد الكلمة، ابن الله. لقد رتلت مريم نشيد الفقر: «نظر إلى تواضع أمته».

الخلاصة

 الفقر هو موقف روحيّ داخليّ يتميّز بالاستعداد الكلّي لله لأنّه يأتي من قناعة متواضعة لبؤسه الرّوحيّ.

لقد خطئت، ولدي نقاط ضعف، لست جيدًا كما أريد، لكنّ الله هنا، إنّه ينتظرني. فالفقير وضع كلّ أمله في الرَّبّ. أن يكون الإنسان فقيرًا، يعني أن يكون متعطشًا لاستقبال ما يعطيه الله عندما نكون أهلاً للاستقبال.

لا وجود لطريقة أو أسلوب يحمل الله لنا إن لم نقبل بالذهاب إليه كشحّاذين، متسولين له لكي نستحق أخيرًا المكافأة، مكافأة التطويبة الأولى «لأنّ لهم ملكوت السّماوات». هذه هي المئة ضعف الموعودة من يسوع. الإنجيليّ متّى يعلّم طرق عيش إنجيل لوقا. الفقر بالرّوح، بالقلب، تقودنا لمساعدة من هم فعليًا وواقعيًا محتاجون.

 ولا ننسى بأنّ الله يقول لنا بأنّنا دائمًا في موقف المتعلًم. لهذا السبب عليَّ أن أخطو خطوة جديدة كلّ يوم حتّى ولو تعثّرت. بذهابي إلى أقصى ما يمكنني، من كياني أنمو وأكبر، وأتمّم إرادة الله وأغتني منه. فقري، بنظر العابر يبدو غنيّ لأنّه يحبّ الجمال ولأنّه استقبل كثيرًا من الآخرين ولأنّه نظر مطوّلاً إلى المسيح الفقير.

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…