أبريل 18, 2021

عظة الكاردينال بارولين في الذكرى المئويّة الأولى على تأسيس جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية

“إن الجامعة الكاثوليكية مدعوة اليوم، كما في الأمس وفي المستقبل، لكي تفتح عقول الشباب على جمال المعرفة: انفتاح لا يقتصر على اكتساب محتويات أو مهارات علمية وتقنية، ولكنّه يمتدُّ إلى البحث عن الحكمة”

هذا ما قاله أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان في عظته مترئسًا القداس الإلهي في الذكرى المئويّة الأولى على تأسيس جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية في ميلانو.

بمناسبة الذكرى المئويّة الأولى على تأسيس جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية في ميلانو ترأس أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين القداس الإلهي في حرم الجامعة وللمناسبة ألقى الكاردينال بارولين عظة استهلّها بالقول نحن ممتنون اليوم لتذكر القرن الماضي، الذي وعلى الرغم من آلاف الصعوبات في أزمنة معقدة مثل تلك بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، شهدت الجامعة “تطورًا مستمرًا” ونحن ننظر بمسؤولية وثقة ورجاء إلى هذا “القرن من التاريخ أمامنا”- كما يقول موضوع احتفالنا – مدركين أن الجامعة مدعوة اليوم لمواجهة تحديات لا تقل التزامًا عن التحديات الأولية، سواء على الجانب الأكاديمي مع الابتكارات الضروريّة للتعليم والبحث وسواء لإعطاء التطوير الكامل لتلك الرسالة الثالثة التي تشكل منذ البداية روحها وتحدد أهدافها.

تابع أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول لذلك فإن الجامعة الكاثوليكية مدعوة اليوم، كما في الأمس وفي المستقبل، لكي تفتح عقول الشباب على جمال المعرفة: انفتاح لا يقتصر على اكتساب محتويات أو مهارات علمية وتقنية، ولكنّه يمتدُّ إلى البحث عن الحكمة، افتتاح كان ممكناً لأن الله نفسه فتح لنا كنوز حكمته في يسوع. فهو في الواقع، في الإنجيل قد “فَتحَ أَذْهانَ التلاميذ لِيَفهَموا الكُتُب”. لنحاول أن نفهم على ما يقوم هذا الانفتاح. يقول الإنجيل إنَّ التلاميذ “أَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ”. كانوا خائفين لاسيما وأن النص يقول إنّهم “ظَنُّوا أَنَّهم يَرَونَ رُوحاً”، شخصًا عبر عتبة الموت، وعاد “لتسوية الحسابات” معهم لأنّهم خانوه وتركوه. يظهر هكذا بشكل أعمق، خوف آخر، الخوف “الديني”. لأن الله كما نعلم يبعث الخوف وهذا الخوف يا إخوتي وأخواتي قد أصابنا أيضا. فغالبًا ما تظهر من الداخل صورة لله لا تثير الخشوع فحسب، وإنما الخوف. ماذا سيفعل الله بي إذا أسأت التصرف؟ والآن في الإنجيل يفتح يسوع أذهان التلاميذ، الأسيرة لهذه الصورة الزائفة لله، كيف؟ من خلال تصرّفات وكلمات يتخطّى من خلالها المسافة بين الله والإنسان ويتغلب فيها على مخاوفهم.

أضاف الكاردينال بييترو بارولين يقول في المقام الأول يقترب ويقول: “إِلمِسوني وانظُروا”. وفقًا للمفهوم المقدس للزمن، لم يكن بإمكان كل من كان يلمس أو ينظر إلى الإلهي أن يبقى على قيد الحياة. أما الآن، فيسوع يقول لهم “إِلمِسوني وانظُروا”، يقدم ويطلب كل القرب الممكن، لكي تكون لهم الحياة. ثانياً، يُظهر لهم يديه وقدميه، أو الجراح. أي أنه يُظهر علامات الضعف البشري الذي أخذه على عاتقه. إن جراحه، قنوات الرحمة المفتوحة، تدعونا لكي نعكس أنفسنا فيه، ونضع فيه ضعفنا، لأن الله يحبنا هناك أيضًا، في الفقر والضعف الذي نخجل منه. تكشف لنا جراح القائم من بين الأموات، العلامات التي لا تُمحى لمحبّته لنا، أنه لا يوجد مسمار للخطيئة ولا جرح حياة ولا ندم من الماضي يمكنه أن يشكّل عقبة أمام عمله الرحيم تجاهنا. أخيرًا، أكل يسوع في حضور التلاميذ. أكل ما لديهم “قِطعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ”. الأكل معًا تحت سقف واحد كان يُعبّر في ذهنيّة ذلك الوقت عن مشاركة حميمة. بهذه الطريقة فتح يسوع ذهن تلاميذه على صورة الله الحقيقية، ومن ثمَّ فتح لهم قلوبهم. وسأل تلاميذه: “ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟” إنَّ خوفهم وشكوكهم مرتبطين بالصليب، وبيوم الجمعة العظيمة. والآن يقول الرب لهم: “يَجِبُ أَن يَتِمَّ كُلُّ ما كُتِبَ في شأني: أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث”.

تابع أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول يجب: بهذا الفعل، يوضح يسوع أن الله لم يهرب من مأساة الألم والمعاناة، بل افتداها، وأخذها على عاتقه. ويشرح لنا أنه لا يمكننا التغلب على الشر إلا بهذه الطريقة: ليس بالهروب، وليس بالقوة، وإنما بالحب. هذا ما فعله الله وهذه هي عظمته التي لم يسبق لها مثيل: معرفة كيفية تحويل كل شيء إلى الخير من خلال الحب. كل شيء، حتى الألم والموت. هذا، بالنسبة لنا أيضًا، هو معنى عيد الفصح: أن نجعل كل ما يعبر في حياتنا يمرُّ عبر الله المحبة. وبالتالي نحن نحتفل بعيد الفصح إذا قمنا بهذا العبور: من الـ “أنا” إلى الله، ومن المسافة إلى الثقة، ومن انغلاقاتنا إلى الانفتاح على الرب. هذا ما يطلبه الرب منا بعد أن اجتاز كل شرورنا من أجلنا. فلنفعل إذًا ما فعله التلاميذ، الذين تغيرت حياتهم عندما استقبلوا يسوع في العلية. إنَّ نقطة التحول تقوم في قبول الرب في عليات الحياة الحميمة، لاسيما حيث لم نفتح له الأبواب بعد. وأنت يا رب كرّر لنا مجدّدًا: “لا تخافوا”. لا تخافوا إزاء زمن مليء بالشكوك والتحولات التاريخية. لا تخافوا في وجه ما وصفه البابا فرنسيس بـ “الكارثة التربوية”، ويدعونا إلى الالتزام عائلات وجماعات ومدارس وجامعات ومؤسسات وأديان وحكام في تنشئة أشخاص ناضجين ومساعدة الشباب لكي يكونوا رواد مسيرة جديدة.

وختم أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين عظته بالقول أنا متأكد من أنه في قرن التاريخ الذي يمتدُّ أمامنا، ستتمكن جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية، إذ تغتني من تجربة القرن الماضي، من الاستجابة بفعالية لهذا النداء وهذا التحدي. هذا ما نتمناه وما نصلي من أجله!

 

 

 

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…