مايو 9, 2022

عوده: أيّها اللّبنانيّون، أعطوا صوتكم لمن يستحقّه وأنقذوا ما تبقّى من هذه الجمهوريّة

تيلي لوميار/ نورسات

عوده: أيّها اللّبنانيّون، أعطوا صوتكم لمن يستحقّه وأنقذوا ما تبقّى من هذه الجمهوريّة

وجّه متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده دعوة إلى اللّبنانيّين لممارسة حقّهم في الانتخابات النّيابيّة فلا يسمحوا لأحد أن يسلبهم قرارهم ويقيّد حرّيّتهم، وذلك في عظة قدّاس الأحد الّذي ترأّسه في كاتدرائيّة مار جاورجيوس- بيروت، قال خلالها:

“أحبّائي، خصّصت كنيستنا المقدّسة الأحد الثّاني بعد الفصح للتّعييد للنّسوة حاملات الطّيب، ومعهنّ يوسف الرّاميّ ونقوديموس التّلميذ اللّيليّ اللّذين ساهما في دفن الجسد الإلهيّ. فبعد شكّ الرّسول توما الّذي عاينّاه الأحد الماضي، تشدّد الكنيسة اليوم على الجرأة الّتي تحلّت بها حاملات الطّيب والرّجلان المذكوران، إن في إعلان بشرى القيامة أو في طلب جسد الرّبّ وتكفينه ودفنه، من دون أن يحسب حساب للمكانة الاجتماعيّة الّتي تحلّى بها كلّ من يوسف أو نيقوديموس، لهذا نسمع في قانون خدمة جنّاز المسيح: “إنّ التّلاميذ قد فقدوا جرأتهم، وأمّا يوسف الّذي من الرّامة فإنّه أبدى جرأةً وشهامة، فإنّه لمّا شاهد إله الكلّ ميتًا عاريًا، طلبه وجهّزه…”. كذلك نرتّل في الفترة الفصحيّة، إكرامًا لحاملات الطّيب قائلين: “سبقت الصّبح اللّواتي كنّ مع مريم، فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر، وسمعن الملاك قائلًا لهنّ: لم تطلبن مع الموتى كإنسان الّذي هو في النّور الأزليّ؟ أنظرن لفائف الأكفان وأسرعن، واكرزن في العالم بأنّ الرّبّ قد قام وأمات الموت، لأنّه ابن الله المخلّص جنس البشر”. هذه التّرنيمة، الّتي تختصر المقطع الإنجيليّ الّذي سمعناه اليوم، تبرز لنا العمل البشاريّ المهمّ الّذي قامت به حاملات الطّيب، لذا فإنّ الكنيسة تردّد هذه القطعة على مسامعنا طوال الأربعين يومًا الفصحيّة، من أجل حثّنا على التّحلّي بجرأة تلك النّسوة، وعلى عدم الاحتفاظ بالبشرى السّارّة الخلاصيّة لأنفسنا فقط.

إنّ حاملات الطّيب، فيما كنّ مندفعات بالشّوق الّذي أضرم نفوسهنّ، لم يبالين بالمخاطر الخارجيّة، فأتين إلى قبر الرّبّ ليدهنّ جسده الميت بالطّيب. لم يصغين إلى منطقهنّ بل إلى قلوبهنّ الّتي تملّكتها محبّة المسيح. وفي النّهاية، ذلك الّذي “كنّ يطلبنه كمائت وهنّ باكيات، قد سجدن له إلهًا حيًّا وهنّ فرحات” كما سمعنا في قانون الفصح المجيد. هكذا، أصبحن مبشّرات للرّسل، وأولى الكارزات بقيامة المسيح. لقد تمتّعن بالمحبّة الغالبة الموت، المحبّة الّتي لا تسكن إلّا في قلوب المتواضعين. لقد خدمن المسيح “من أموالهنّ” (لو 8: 3) لأنّهنّ رأين الحياة الحقيقيّة فيه وفي كلامه. طبعًا زعزعهنّ موته، لكنّهنّ لم يتركن الرّبّ أو يفكّرن أنّه مضلّ، وقبل أن يعرفن يقين القيامة خدمن الجسد الميت. هذا يعني أنّهنّ تجاوزن العالم والمنطق البشريّ، وفهمن أنّ الحياة الحقيقيّة ليست في المحافظة على الكيان البيولوجيّ للإنسان، فأعطيت لهنّ معرفة قيامة الأجساد بالخبرة، إذ رأين المسيح المصلوب قائمًا.

من جهة ثانية، سقط بطرس الرّسول في هوّة الثّقة بالنّفس، ووصل إلى حدّ إنكار المسيح، وهو التّلميذ الّذي أحبّه حبًّا فائقًا. عندما قال المسيح لتلاميذه ليلة اعتقاله: “كلّكم تشكّون فيّ في هذه اللّيلة”، لم يدرك بطرس الرّسول كلام الرّبّ النّبويّ، بل ميّز نفسه عن التّلاميذ الآخرين، فاعترض قائلًا: “إن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبدًا” (مت 26: 33). إرتبط شغفه للمسيح بثقته المطلقة بنفسه، لكن ما إن اشتدّت وطأة الصّعوبات حتّى “أنكر المسيح بقسم قائلًا إنّي لم أر الرّجل” (أيّ لا يعرف المسيح) (مت 26: 72). اليوم، نسمع في المقطع الإنجيليّ أنّ الملاك الّذي كرز لحاملات الطّيب بالقيامة قال لهنّ: “إذهبن وقلن لتلاميذه، ولبطرس، إنّه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه”. هكذا، كشف لحاملات الطّيب الجريئات، أنّ الله قبل توبة الرّسول بطرس، وأرسلهنّ ليبشّرنه بخلاصه وقبول توبته.

بطرس، الّذي تبدّلت ثقته بنفسه بالتّواضع، وغرقت عجرفته بدموع التّوبة المرّة، رجع إلى مصفّ التّلاميذ ليصبح فيما بعد كارزًا جريئًا بالإنجيل.

إنّ عظمة النّساء الحاملات الطّيب تظهر بتحرّرهنّ من الأوضاع الصّعبة المحيطة بهنّ. لم تتأثّر محبّتهنّ للمسيح بموته الأليم، ولا بكراهيّة الكتبة والفرّيسيّين ورؤساء إسرائيل له. شجاعتهنّ منحتهنّ الحرّيّة والاستقلاليّة، وسط الحزن الكبير.

إنّ حاملات الطّيب والرّسول بطرس يقودوننا إلى طريق الحرّيّة الحقيقيّة، الّتي تستند على الشّجاعة، كما أنّ المحبّة الحقيقيّة تغلب الخوف، والتّواضع العميق يعتق من قيود الاعتداد بالنّفس. ألا يحتاج بلدنا الحبيب من كلّ شعبه وقفةً شجاعةً وتغلّبًا على الخوف من أجل الانعتاق من القيود الّتي كبّل بها؟ الانتخابات فرصة للخروج من قعر الجحيم الّذي وصل إليه البلد والشّعب. الأحد المقبل يشكّل فرصةً لكلّ من يؤمن بالدّيموقراطيّة لكي يعبّر عن رأيه بحرّيّة ومسؤوليّة، وينتخب من يرى فيهم إمكانيّة الخلاص لبلدنا الحبيب. الأحد المقبل هو أحد المخلّع، وهل من رمزيّة أسمى من أن تكون الانتخابات في يوم تذكّرنا للمخلّع، من يشبه بلدنا الّذي خلّعته الأيدي الفاسدة، والاغتيالات الغاشمة، والسّياسات الفاشلة، والانتماءات المشبوهة، والتّفجير والتّجويع والإفلاس…؟  

على اللّبنانيّين أن يكونوا مثل حاملات الطّيب ويوسف ونيقوديموس وبطرس، يتحلّون بالجرأة، وغير راضخين للكبرياء الطّائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة. عليهم أن يحبّوا وطنهم وحده، من كلّ قلوبهم، ومن دون أن يخترق الشّكّ في الخلاص تلك القلوب النّابضة بالحرّيّة. المطلوب من الشّعب ألّا يستسلم لليأس ويتقاعس، بل أن يكتب مصيره بيديه، ويقرّر بشجاعة ما يريد وما لا يريد. فيا أيّها اللّبنانيّون، لا تسمحوا لأحد أن يسلبكم قراركم أو يقيّد حرّيّتكم. لا تتخلّوا عن دوركم، وعبّروا عن إرادتكم بحكمة ومسؤوليّة، بعيدًا عن الانتهازيّة والاستزلام، لكي يبقى لبنان بلد الحرّيّة والدّيمقراطيّة والإنسانيّة والعنفوان. أعطوا صوتكم لمن يستحقّه، من أجل استرجاع الدّولة وهيبتها، من أجل ضمان مستقبل أبنائكم وكرامتهم، ومن أجل أن تعيشوا في وطن لا يحكمه الفساد ولا يسوده الظّلم واللّامبالاة. لقد سلبوكم حياتكم وأموالكم، وأضاعوا مستقبل أولادكم، ودمّروا عاصمتكم، وقتلوا إخوةً لكم فيها، وهدّموا منازلها، ومنعوا معرفة الحقيقة وتطبيق العدالة. خطفوا منكم وطنكم. واجهوهم بأصواتكم، بالدّيمقراطية وبالطّرق الحضاريّة. أنقذوا ما تبقّى من هذه الجمهوريّة باختياركم الحرّ والحكيم. من منكم عانى الظّلم فلينتخب من يؤمن بالعدالة ويدافع عنها. من منكم قاسى مفاعيل الفساد فلينتخب من يحارب الفساد. من منكم سرقت أمواله فلينتخب من يتحلّى بالنزاهة والشّفافيّة. من هجّر وأجبر على العيش بعيدًا عن وطنه فلينتخب من يؤمن بالوطن ويفتديه بحياته.

في الأخير، دعوتنا اليوم أن نتمسّك بالرّبّ، مهما خطئنا، وأن نعود إليه لأنّه يتقبّل توبتنا مثلما فعل مع بطرس. علينا أن نتحلّى بالجرأة والمحبّة والتّواضع، لأنّ الطّريق نحو الملكوت معبّدة بهذه الثّلاثة المترافقة مع التّوبة الحقيقيّة. ألا جعل الرّبّ حياتكم ملأى بالفرح القياميّ الّذي لا يفنى، على هذه الأرض، وفي الحياة الأبديّة، آمين.”

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…