مايو 2, 2023

عوده: الحلّ فيكون بسماع صوت الضّمير والاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها

متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده

تيلي لوميار/ نورسات

ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده، صباح الأحد، خدمة القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس.

بعد قراءة الإنجيل المقدّس ألقى عوده عظة قال فيها: “أحبّائي، إنّ ظهور المسيح القائم من بين الأموات لحاملات الطّيب أوّلًا يحمل دلالةً مهمّة. فالرّسل كانوا مختبئين في العلّيّة، خائفين من الأحداث الّتي جرت، فيما ذهبت النّسوة إلى القبر بمحبّة وشجاعة، قبل بزوغ الشّمس، ليطيّبن جسد الرّبّ يسوع. لم يخفن من الظّلام ولا من الجنود. هذا التّصرّف يشجّعنا على التّحلّي بالمحبّة والشّجاعة لكي نمنح رؤية المسيح. هذا ما قام به أيضًا يوسف الرّاميّ ونيقوديموس اللّذان نعيّد لهما اليوم أيضًا مع النّسوة الحاملات الطّيب، وقد رتّلنا في خدمة جنّاز المسيح: “إنّ التّلاميذ قد فقدوا جرأتهم، وأمّا يوسف الّذي من الرّامة فقد أبدى جرأةً وشهامة. فإنّه لمّا شاهد إله الكلّ ميتًا عاريًا طلبه وجهّزه”. إذًا، الجرأة في طلب المسيح، مهما كانت الظّروف، هي من أساسيّات الإيمان بالله ومحبّته.

هذا الظهور الأوّل للمسيح أمام حاملات الطّيب يحمل معنًى لاهوتيًّا عميقًا. يشرح القدّيس غريغوريوس بالاماس أنّ قيامة المسيح هي تجديد للطّبيعة البشريّة، وإحياء وعودة إلى حياة آدم الأوّل الأبديّة. فبعد خلق آدم، كانت المرأة أوّل من رآه، كذلك بعد القيامة كانت النّسوة حاملات الطّيب أوّل من رأى آدم الجديد بعد خروجه من القبر. بهذا، تكون حاملات الطّيب أولى المبشّرات، ورسولات الرّسل. كذلك كانت حوّاء من حمل رسالة سقوط آدم، والآن تحمل المرأة رسالة القيامة للرّسل. هكذا، لم يعد جائزًا إلقاء اللّوم على المرأة من جهة العصيان والسّقوط، لأنّ المسيح قام ليجعل كلّ شيء جديدًا، وقد شاء أن تكون المرأة حاملةً بشرى القيامة.

يقول أحد الآباء إنّ أسماء حاملات الطّيب تتوافق مع حياتهنّ الشّخصيّة. فمريم المجدليّة، الّتي أخرج منها المسيح سبعة شياطين، تشير إلى النّفس المتطهّرة من الشّياطين بكلمة الإنجيل. وسالومة، الّتي يعني اسمها “السّلام”، تشير إلى الشّخص الّذي بلغ السّلام الدّاخليّ، لأنّها تخطّت الأهواء وأخضعت جسدها لنفسها، ومن خلال معاينة الله والحواسّ الرّوحيّة، بلغت نفاذ البصيرة. أمّا حنّة، الّتي يعني اسمها “الحمامة”، فترمز إلى النّفس البريئة الّتي تنتج الفضائل لأنّها ابتعدت عن الأهواء بالاتّضاع. عندما يختبر الإنسان هذه الحالات، ويقترب من قبر قلبه، يرى حجر قساوة عدم وضوح الكلمة قد دحرج، والملاك، أيّ ضميره، يخبره بأنّ كلمة الفضيلة والمعرفة الّتي أميتت في قلبه قد أقيمت فيه، وسوف يمنح أن يرى ظهور كلمة الله نفسه داخل ذهنه، مكشوفًا ومن دون أختام ورموز. هذا يعني أنّ التّطهّر يتيح لنا أن نسجد أمام المسيح القائم ونسمع كلمة القيامة.

يقول القدّيس إغناطيوس بريانتشانينوف إنّ كلمات النّسوة القدّيسات: “من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟” لها معناها السّرّيّ الخاصّ. إنّها كلمات مقدّسة لدرجة أنّ محبّتنا للقريب، ورغبتنا بمنفعته الرّوحيّة لا تسمحان بأن نبقى صامتين أمامها. فالقبر هو قلبنا، الّذي كان هيكلًا حينًا، لكنّه أصبح قبرًا. يدخل إليه المسيح عبر سرّ المعموديّة كي يسكن ويعمل فينا. فيكرّس القلب هيكلًا لله. لكنّنا بسلوكنا نسلب المسيح قدرته على العمل فينا، ونجدّد في ذواتنا الإنسان العتيق الّذي ينجذب دائمًا لإرادتنا السّاقطة ولفكرنا المسمّم بالباطل. عندها  يبقى المسيح الحاضر فينا بالمعموديّة ساكنًا قلبنا، إنّما كمجروح بسبب خطايانا، فيمسي هيكل الله قبرًا ضيّقًا ومظلمًا، مسدودًا بحجر عظيم، يحرسه أعداء المسيح الّذين يحرصون على المحافظة على الفتور الرّوحيّ بغية إحباط القيامة ومنعها وجعلها مستحيلة.

ألا يفعل زعماء هذا البلد ومن يتولّون زمام الأمور الشّيء نفسه؟ ألا يدحرجون الحجارة ويختلقون العوائق لكي يمنعوا قيامة البلد من الهوّة العظيمة الّتي دفنوه فيها؟  

منذ أشهر يقبع بلدنا في فراغ مميت، ولم يبد أحد استعدادًا للدّفع نحو أيّ تقدّم، أو تقديم أيّ تنازل. محبّة الوطن ماتت في قلوب من أوكلوا مسؤوليّة إحياء وطن وشعب بكامله، فطمسوا الحقائق، وعطّلوا عمل المؤسّسات، وتجاهلوا الاستحقاقات، وشوّهوا الدّيموقراطيّة، ولم يحمل أيّ منهم خبرًا واحدًا سارًّا يكون كالطّيب المسكوب لإزالة شيء من رائحة عفن الفساد المستشري.

فاللّبنانيّون ممنوعون من معرفة حقيقة تفجير مرفأ بيروت وما خلّفه من ضحايا ومآس، وهم ممنوعون من معرفة حقيقة وضع الدّولة الماليّ، وحقيقة الانهيار الاقتصاديّ وعدم البدء بالإصلاح، وممنوعون من معرفة مصير ودائعهم ومدّخراتهم.

غياب الصّدق والشّفافيّة في تعامل الدّولة مع مواطنيها، وغموض الصّفقات والعقود، وعدم تحديد المسؤولين عن الكارثة الماليّة، والممارسات الخاطئة الّتي أدّت إلى الانهيار الاقتصاديّ، وتجاهل من أساء إلى البلد وجمع الثّروات على حساب الشّعب، والتّباطؤ في معالجة الأمور وفي الإصلاح والإنقاذ، وعدم التّوصّل إلى انتخاب رئيس للبلاد، كلّها أمور تزيد من دفن آمال الشّعب، وإحكام إغلاق الحجر على حياتهم ومستقبل أولادهم. أمّا الحلّ فيكون بسماع صوت الضّمير وعدم إغلاق القلب والعقل عن استيعاب الأخطاء والاعتراف بها والاعتذار عنها، وسلوك طريق جديد يؤدّي إلى القيامة.  

لذلك دعوتنا اليوم أن نحمل في قلوبنا الرّجاء مع الجرأة والمحبّة والصّدق، وأن نعمل بهديها، وسنجد أنّ المعجزات ستتحقّق، مثلما تمّت قيامة الرّبّ البهيّة، آمين.”

‫شاهد أيضًا‬

بطريرك الأقباط الكاثوليك يهنئ الأمين العام المساعد الجديد لدائرة الكنائس الشرقية بالفاتيكان

بطريرك الأقباط الكاثوليك يهنئ الأمين العام المساعد الجديد لدائرة الكنائس الشرقية بالفاتيكا…