أبريل 9, 2020

في خميس الأسرار… رسالة من الرّاعي إلى خدّام سرّ الكهنوت

في خميس الأسرار... رسالة من الرّاعي إلى خدّام سرّ الكهنوت

في ذكرى تأسيس الكهنوت في خميس الأسرار، أرسل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي رسالة إلى الأساقفة والكهنة والرّهبان، جاء فيها:

“إخوتي في الكهنوت الأساقفة الأجلّاء والكهنة الأبرشيِّين والرُّهبان الأحبَّاء،  

تحيَّة أخويَّة بالرَّبِّ يسوع الكاهن الأسمى،

1- يُسعِدُني أن أُوجِّه إليكم التَّهاني القلبيَّة في اليوم الّذي أهدى الرَّبُّ يسوع الكنيسة سرَّ الإفخارستيَّا، وأسَّسَ معه كهنوتنا، أثناء العشاء الفصحيّ الأخير مع تلاميذه قبيل آلامه وموته، فجعلنا خدَّام هذا السِّرِّ العظيم.

إنَّه سرُّ محبَّته حتَّى النِّهاية (يو1:13)، وسرُّ وحدة الكنيسة ووحدتنا النَّابع من الحياة الثّالوثيَّة بهبة الرُّوح (راجع يو17)، وسرُّ الخدمة الإلهيَّة الّتي حملَت الكلمة الّذي صار بشرًا على غسل أرجل خليقته، وترك لنا بذلك مثالاً وقدوةً (راجع يو15:13).

2- وإذ يأتي العيد هذه السَّنة حزينًا بسبب وباء الكورونا الّذي أوقع ضحايا واجتاح جميع البلدان حاصدًا أخرى، ومهدِّدًا الكثيرين، وضاربًا بالشَّلل الكرة الأرضيَّة كلَّها، فإنَّا نضمُّ آلامنا مع شعبنا وجميع الشُّعوب إلى آلام الفادي الإلهيّ، من أجل خلاص العالم وعودته إلى الله. يسوع نفسه احتفل بعشائه الفصحيِّ الأخير، وبسرِّه الإفخارستيِّ، وبتأسيس الكهنوت، في جوٍّ من الحزن والغصَّة والألم النَّفسيِّ، وهو مدركٌ ما سيحدث له في تلك اللَّيلة الدَّامعة والمصلِّية في بستان الزَّيتون. إنَّه بذلك يذكِّرنا أنَّ كهنوتنا ليس للرَّاحة والهناء، بل للتَّضحية والتَّفاني في العطاء، أقوياء برجاء القيامة والثِّمار.

3- لقد كنَّا في خاطر الرَّبِّ يسوع عندما أسَّسَ سرَّ الكهنوت. فلا يحِقُّ لأحدٍ منَّا اعتبار نفسه مستحقًّا لهذا الاختيار الإلهيّ الّذي وقع عليه. بل يجب أن يظلَّ هذا الشُّعور متَّقدًا في داخل كلّ واحدٍ منَّا. فدعوتنا الشَّخصيَّة فعلُ حبٍّ ورحمةٍ من المسيح الإله الّذي دعانا. وإنَّها دعوةٌ مجَّانيَّةٌ بالمطلق، “فهو اختارنا، لا نحن اخترناه” (يو16:15)، ولا يوجد فيها أيُّ حقٍّ مكتسب؛ وهي تنازلٌ من قِبَله لنكون ممثِّليه مع كلِّ ضعفنا وخطايانا؛ وهي مغفرةٌ دائمةٌ لخطايانا وسقطاتنا، كما فعل مع بطرس الّذي أنكرَهُ ثلاث مرَّات (مر14: 66-72).

وتأكيدًا على ذلك، أسنَدَ الرَّبُّ يسوع، في سرِّ تدبيره، إلى بطرس النَّاكر قيادة الكنيسة ورعاية الخراف (راجع يو21: 15-17)؛ وإلى شاول- بولس مضطهد الكنيسة رسوله لإعلان إنجيل الله (روم 1:1).

على مثالهما نحن مدعوُّون لنعيش بروح المجَّانيَّة خدمتنا الكهنوتيَّة والأسقفيَّة، ونُسلِّم ذواتنا لرحمة الله مع ضعفنا وتوبتنا الصَّادقة، ولنُواصِل سيرَنا بنعمته نحو تقديس ذواتنا.

4- من تجلِّيَّات رحمة الله اللَّامتناهية هبة سرّ المصالحة وائتمان الكنيسة عليه. ففي مساء أحد قيامته، نفخَ الرَّبُّ يسوع في رُسُله، كهنة العهد الجديد، الرُّوح القدس وقال: “خذوا الرُّوح القدس. من غفرتم خطاياهم غُفِرَت لهم، ومن أمسَكتُم خطاياهم أُمسِكَت عليهم” (يو20: 22-23). ما يعني أنَّ في سرِّ المصالحة قيامةً لحياةٍ جديدة.

إنَّ جوهر خدمتنا الكهنوتيَّة، إلى جانب الاحتفال بالإفخارستيَّا، هو خدمة سرِّ المصالحة. “فاللَّه، يقول بولس الرَّسول، أودعَنا كلمة المصالحة، لأنَّه صالحَ العالم مع نفسه بالمسيح الّذي أودعَنا خدمة المصالحة. إذًا نحن سفراء المسيح، وكأنَّ الله يدعوكم بواسطتنا. فنسألكم باسم المسيح: تصالحوا مع الله” (2كور5: 18-21). إنَّ سرَّ المصالحة أساسيٌّ لكلِّ حياةٍ مسيحيَّةٍ، وبالنِّسبة إلينا فهو يعضُدُ حياتنا الكهنوتيَّة والأسقفيَّة ويُوجِّهها ويداويها. وبمقدار ما نَختبِر شخصيًّا الفرح في سرِّ التَّوبة، بمقدار ذلك نتفانى في توزيعه على المؤمنين، من أجل تقديس ذواتهم.

5- في هذا الأسبوع المقدَّس الّذي نُحيِي فيه ذكرى آلام الفادي الإلهيّ وموته وقيامته، نواصِلُ في أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا آلامه من أجل فداء العالم، راجين أن نَعبُر جميعنا مع فصح المسيح إلى حياةٍ جديدةٍ، ويَعبُر العالم إلى واقعٍ جديدٍ بنَّاء.”

المسيح قام! حقًّا قام!”.

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يكتب تأملات درب الصليب في الكولوسيوم لأول مرة

وكالة آكي الإيطالية للأنباء – البابا فرنسيس يكتب تأملات درب الصليب في الكولوسيوم لأو…