‫‫‫‏‫ساعتين مضت‬

في مقابلته العامة مع المؤمنين البابا يتحدث عن سرّ الموت

فاتيكان نيوز

إن السر للعيش بأسلوب حقيقي، في وعي بأن عبورنا على هذه الأرض يجهزنا للحياة الأبديّة، هو الصلاة لكي نفهم ما ينفعنا في سبيل ملكوت السماوات، ونتخلى عن الفائض الذي يربطنا بالأشياء الزائلة” هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في مقابلته العامة مع المؤمنين.

أجرى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي في القول لطالما أثار لغز الموت تساؤلات عميقة في النفس البشرية. فهو يبدو في آن واحد أكثر الأحداث طبيعية وأكثرها غرابة. هو طبيعي لأنه المصير المحتوم لكل كائن حي على وجه الأرض. وغير طبيعي لأن الرغبة العارمة في الحياة والخلود التي نحملها لأنفسنا وللأشخاص الذين نحبهم، تجعلنا نرى في الموت حكماً وإحساساً بـ “ما لا معنى له”.
تابع الأب الأقدس يقول لقد طوّرت العديد من الشعوب القديمة طقوساً وعادات مرتبطة بتكريم الموتى، لمرافقة وتذكر الذين انطلقوا نحو هذا السر الأسمى. أما اليوم، فنلاحظ اتجاهاً مغايراً تماماً؛ حيث يبدو الموت وكأنه نوع من “التابو” أو المحظور، حدث يجب إبعاده وتناوله بأصوات خافتة، خوفاً من إزعاج حساسيتنا وسكينتنا. ولهذا، غالباً ما يتم تجنب زيارة المقابر حيث يرقد الذين سبقونا في انتظار القيامة.
أضاف الحبر الأعظم يقول ما هو الموت إذاً؟ وهل هو حقًّا الكلمة الأخيرة في قصة حياتنا؟ وحده الإنسان يطرح هذا السؤال لأنه وحده يعي حتمية فنائه. لكن هذا الوعي لا ينقذه من الموت، بل يزيده “ثقلاً” مقارنة بجميع الكائنات الأخرى. فالحيوانات تتألم بالتأكيد وتدرك دنوّ الأجل، ولكنها لا تعلم أن الموت هو جزء من مصيرها؛ وبالتالي فهي لا تتساءل عن المعنى أو الغاية أو النتيجة النهائية للحياة.
تابع الأب الأقدس يقول بالنظر إلى هذا الجانب، قد نظن أننا كائنات متناقضة وتعيسة، ليس فقط لأننا نموت، بل لأننا لدينا اليقين بحدوث هذا الأمر، رغم جهلنا لكيفية وموعد حدوثه. نكتشف أنفسنا واعين وعاجزين في آن واحد. وربما من هنا تنبع عمليات التجاهل المتكررة، والهروب الوجودي أمام مسألة الموت.
أضاف الحبر الأعظم يقول يتأمل القديس ألفونسوس ماريا دي ليغوري، في كتابه الشهير الذي يحمل عنوان “التحضير للموت”، حول القيمة التربوية للموت، ويسلّط الضوء على ميف أنه “معلم عظيم للحياة”. أن نعرف أنه موجود وأن نتأمل فيه يعلّمانا أن نختار ما يجب أن نفعله بحياتنا حقاً. إن السر للعيش بأسلوب حقيقي، في وعي بأن عبورنا على هذه الأرض يجهزنا للحياة الأبديّة، هو الصلاة لكي نفهم ما ينفعنا في سبيل ملكوت السماوات، ونتخلى عن الفائض الذي يربطنا بالأشياء الزائلة. ومع ذلك، تعدنا العديد من الرؤى الأنثروبولوجية المعاصرة بالخلود في هذه الحياة، وتنظّر لإطالة العمر الأرضي عبر التكنولوجيا. إنه سيناريو ما بعد الإنسان، الذي يشق طريقه بين تحديات عصرنا. فهل يمكن للعلم حقاً أن ينتصر على الموت؟ وإذا حدث ذلك، هل يمكن للعلم نفسه أن يضمن لنا أن الحياة التي لا تنتهي هي بالضرورة حياة سعيدة؟
تابع الأب الأقدس يقول يكشف لنا حدث قيامة المسيح أن الموت لا يعارض الحياة، بل هو جزء أساسي منها كمعبر إلى الحياة الأبدية. وفصح يسوع يجعلنا نتذوق مُسبقًا، في هذا الزمن المليء بالآلام والتجارب، ملء ما سيحدث بعد الموت. ويبدو أن الإنجيلي لوقا يلتقط هذه البشارة بالنور وسط الظلام عندما يكتب في نهاية ذلك اليوم الذي غطت فيه الظلمات الجلجلة: “وكان اليوم يوم التهيئة وقد بدت أضواء السبت”. هذا النور، الذي يستبق صباح الفصح، يضيء في ظلمة سماء تبدو مغلقة وصامتة.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن أنوار السبت، وللمرة الأولى والوحيدة، تُعلن فجر اليوم الذي يلي السبت: نور القيامة الجديد. ووحده هذا الحدث قادر على أن ينير لغز الموت بشكل كامل. وفي هذا النور، وفيه وحده، يصبح ما يتمناه ويرجوه قلبنا حقيقة: أن الموت ليس النهاية، بل هو العبور نحو ملئ النور، نحو حياة أبدية سعيدة.
وختم البابا لاوُن الرابع عشر تعليمه الأسبوعي بالقول لقد سبقنا القائم من بين الأموات في محنة الموت العظيمة، وخرج منها منتصراً بفضل قوة الحب الإلهي. وهكذا هيّأ لنا مكان الراحة الأبدية، البيت الذي فيه من ينتظرنا؛ ومنحنا ملء الحياة التي لا ظل فيها ولا تناقض. بفضله، هو الذي مات وقام من أجل الحب، يمكننا أن ندعو الموت “أخًا”، كما فعل القديس فرنسيس الأسيزي. وانتظاره مع الرجاء الأكيد في القيامة يحمينا من الخوف من الزوال الأبدي ويهيئنا لفرح الحياة التي لا نهاية لها.
وفي نهاية المقابلة العامة وجه الأب الأقدس المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس نداء عبر فيه عن حزنه العميق إزاء الانباء المتعلقة بتجدد الصراعات تايلاند وكومبوديا حيث سقط ضحايا بين المدنيين واضطر آلاف الأشخاص الى مغادرة منازلهم أعربَ عن تضامنه القلبي في صلواته لهذه الشعوب العزيزة وطالب بوقف الفوري لأطلاق النار واستئناف الحوار.

‫شاهد أيضًا‬

هكذا يشكر مستشفى الصّليب الله على زيارة البابا التّاريخيّة!

تيلي لوميار/ نورسات يرفع أصدقاء جمعيّة راهبات الصّليب في لبنان الشّكر لله على زيارة البابا…