مارس 9, 2022

كرياكوس: إن لم تعمل نعمة الله فينا، لا نكتمل

كرياكوس: إن لم تعمل نعمة الله فينا، لا نكتمل

ترأّس راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف اجتماع الكهنة الشّهريّ، في دار المطرانيّة في طرابلس، بمشاركة متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس المطران أفرام كرياكوس يرافقه عدد من الكهنة بدعوة من سويف الّذي كانت له في البداية كلمة رحّب فيها بحضور كرياكوس “الرّوحيّ والمصلّي”.

فقال: “نحن نكنّ لكم ولشخصكم الكريم كلّ الاحترام والتّقدير، وأنتم علامة في الأبرشيّة، وفي الشّمال وفي طرابلس، من خلال الاختبار الرّهبانيّ، النّسكيّ والرّعائيّ الّذي تعيشه سيادتكم داخل المنطقة. فحضوركم بيننا هو تجسيد لمحبّتنا الواحدة ليسوع المسيح، ولرسالة الكنيسة المشتركة ودورها خاصّة في الشّهادة للمسيح، إذ نحن علامة الرّجاء للبنان الّذي يمرّ بهذه الظّروف الصّعبة. ونحن اليوم نشكركم بنوع خاصّ على وجودكم، وتعاونكم، وهذا ما يعكس صورة جمال كنيسة المسيح المتنوّعة والمتعدّدة، ولكن الواحدة والجامعة والمقدّسة والرّسوليّة”.

بدوره شكر المطران أفرام المطران سويف على محبّته ودعوته، وشكر كهنة الأبرشيّة على حضورهم.

وأضاف مستهلّاً حديثه الرّوحيّ حول “الصّوم في الرّوحانيّة الأنطاكيّة”: “اليوم سنتأمّل في روحانيّة الصّوم بحسب خبرة كنيستنا الأنطاكيّة الشّرقيّة الآبائيّة، ومن الأهمّيّة بمكان أن نتمسّك بهذه الرّوحانيّة، لأنّها فحوى بشارتنا في المنطقة الّتي نعيش فيها، كما في بلاد الانتشار.  

روحانيّة الصّوم مرتبطة بممارسة هذا الإرث الّذي عاشه آباؤنا منذ القرون الأولى.

فما هو الصّوم؟

لماذا يصوم الإنسان خاصّة بهذه الأيّام؟

لماذا علينا أن نتمسّك بهذا التّقليد الّذي عاشه آباؤنا القدّيسون؟

نحن نستعين بما تركه لنا هؤلاء الآباء من نصائح عمليّة ومن معانٍ رئيسيّة، وأوّلهم الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. فهذا التّقليد وهذا الإيمان يبدأ بالتّمثّل أوّلأً بيسوع المسيح الّذي صام أربعين يومًا، وبعدها جُرِّب من الشّيطان، وهذا حدث في الصّحراء.

وكما يقول بعض الآباء إنّ الصّوم كان الوصيّة الأولى من الرّبّ. ولكن يبقى السّؤال لماذا نصوم اليوم، وكيف نصوم؟

ما يجب أن نفهمه، هو أنّ الصّوم لا يقتصر عن الامتناع من المآكل الدّسمة من لحوم وألبان، بل هو أعمق وأوسع من ذلك بكثير، لأنّه مرتبط بفضائل أساسيّة عميقة لا بدّ أن يمارسها ويختبرها الإنسان الصّائم، خصوصًا في هذه الفترة الصّياميّة.  

فبحسب تاريخ المسيحيّين الأوّل، كانوا يصومون لكي يوفّروا من مالهم وأكلهم ويوزّعوه للفقراء.  

بحسب كنيستنا الشّرقيّة، الصّوم مرتبط بفضائل رئيسيّة مسيحيّة لا بدّ أن يكتسبها الإنسان، وهذا ما نراه في كلمة الله في الإنجيل.

وهذه الفضائل هي:

١-  فضيلة التّواضع: الأمر الّذي يحتاجه اليوم كلّ واحد منّا، على الصّعيد الشّخصيّ والعامّ، على الصّعد العائليّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.

فالتّواضع هو أمر أساسيّ لأنّ المسيح تواضع، فيقول الرّسول بولس برسالته إلى أهل فيليبّي: أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، صائرًا بشبه بشر، وواضع نفسه حتّى الموت موت الصّليب.

فالتّواضع مرتبط بنكران الذّات، من أراد أن يتبعني فلينكر ذاته…

٢- الصّلاة: إلى جانب التّواضع، يجب أن يرافق الصّوم بالصّلاة.  

٣- عمل الرّحمة: نراه في إنجيل الدّينونة إذ يقول الرّبّ يسوع: “كلّ ما فعلتموه لهؤلاء الصّغار فلي قد فعلتموه”. فالإتّصال بالمسيح يسوع يكون واقعيًّا من خلال التّواصل مع كلّ شخص محتاج، المريض والفقير والمسجون.

فالإنسان الصّائم لا بدّ أن يمارس هذه الأمور.

٤- التّوبة والاعتراف: الصّوم هو زمن التّوبة.

فالآباء يتكلّمون عن أنّ الوقت هو زمن للتّوبة، فيذهبون بالقول إنّ كلّ الحياة هو زمن للتّوبة، فالوقت أعطي للإنسان الّذي سقط ليتوب ويعود إلى الله. لذا لا بدّ من العودة إلى الاعتراف.  

٥- المحبّة: الصّوم مرتبط أيضًا بأعمال المحبّة.

هذا التّراث الّذي حصلنا عليه، يدخلنا بطريقة عمليّة نعيشها كأناس لنعود إلى الله. كيف نعيش هذا الإرث اليوم؟ وكيف يعود الإنسان إلى الله؟

كيف يعيش الإنسان في الصّوم ويتدرّب لكي يتطهّر من أنانيّته وأهوائه وشهواته.  

هذه الخطوة الأولى الّتي يجب أن يمرّ بها الإنسان وهي التّطهير، وإلّا يكون الإنسان قد أخفق وقته.  

فالإنسان في جهاده الرّوحيّ يتطهّر، وهذا ما يسمّى الاستنارة، فنحن نستنير بنور الله. وهذه الاستنارة تجعل الإنسان يتخلّى عن الأهواء المعيبة. وهذا يتطلّب منّا جهادًا شخصيًّا وجماعيًّا. فنور الله يجعلنا نرى أيّ طريق يجب أن نسلكه.

يبقى السّؤال: ما هي الأهواء الرّئيسيّة المعيبة؟

القدّيس يوحنّا السّلّميّ يتكلّم عن الأهواء الإيجابيّة والأهواء السّلبيّة.

الأهواء السّلبيّة يمكن أن نلخّصها بثلاثة قضايا:

١- المال.

٢- السّلطة.

٣- الجنس.  

فالصّوم يضمّ كلّ جوانب الإنسان، الجانب الجسديّ والفكريّ والرّوحيّ. والإنسان المسيحيّ الّذي يريد أن يصل إلى المسيح، إلى الملكوت، لا بدّ أن يمرّ بهذه المرحلة الأولى، أيّ أن يطهّر نفسه من الخطيئة. والجهد هنا يكون جهدًا شخصيًّا وجماعيًّا. لذلك لا بدّ أن نتربّى ونُربّي الأجيال على أن يكونوا أولاد الكنيسة.

المرحلة الأولى الّتي هي التّطهير، تقودنا إلى المرحلة الثّانية والّتي هي الاستنارة الإلهيّة وفيها نتمتّع بنور الرّبّ.

ولا بدّ من التّنويه هنا، أنّه لا يكفي على الإنسان لكي يتقدّم روحيًّا ويتقدّس، لا يجب أن يكتفي الإنسان بالأخلاق المسيحيّة، أيّ أن يكون إنسانًا صالحًا… فهذا لا يكفي لكي يتقدّس الإنسان، من الضّرورة أن يجاهد. فالله يعطي الإنسان منذ الخلق الحرّيّة، والإنسان نفسه يختار درب حياته، والكنيسة تساعده على ذلك، فبحرّيّته يختار الإنسان الطّريق الحسن الّتي يجب أن يسلكها، ولكن مع كلّ جهاده الشّخصيّ لا يمكنه أن يقول أنّه سينال الخلاص والرّاحة الأبديّة، تمامًا كما ذكر في الإنجيل في قصّة الشّابّ الغنيّ: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ قال له: تعلّم الوصايا، فأجابه: حفظتها منذ صبائي. فماذا ينقصني بعد؟ فأجابه المسيح: إذا أردت أن تنال الحياة الأبديّة فبع كلّ شيء ووزّعه على الفقراء وتعال اتبعني.  

فماذا يعني هذا الأمر؟  

نستخلص من هذه العبرة أنّه بجهادنا الفرديّ والشّخصيّ لا ننال الملكوت. فإن لم تعمل نعمة الله فينا، لا نكتمل. فإذا تخلّى الإنسان عن الله وعن نعمه، فهو لا يكتمل، لذلك وجودنا اليوم في الكنيسة مهمّ، لأنّه يعلّمنا كيف نكتمل بنعمة الله.

هذا هو الإرث الّذي يجب أن نحافظ عليه من تقليدنا الشّرقيّ المسيحيّ الآبائيّ، هؤلاء الأشخاص الّذين سلّموا كلّ حياتهم لله.

من هنا نحن لا نكتفي بما تقدّمه لنا الحضارة اليوم، فالتّكنولوجيا والثّقاقة لا يُستغنى عنها ولكنّها لا تكفي، لأنّها تعرّضنا للاستغناء عن الله، وهذا ما يميت الإنسان ويدخله في عواقب كثيرة.  

إذًا، لا بدّ من أن يجاهد الإنسان بما تعلّمه من وصايا إلهيّة وبخبرة الكنيسة وباكتساب هذه الفضائل الّتي ذكرناها خاصّة في هذه الفترة الصّياميّة. فالإنسان عليه أن يسعى بنعمة الله إلى عيش التّواضع الّذي يقود إلى المحبّة الفائقة.”

في الختام، شكر المطران سويف المطران أفرام على كلامه العميق والّذي يُدخل في صلب مفهوم الصّوم من خلال التّأمّل بأهمّيّة الفضائل والنّعمة الإلهيّة، والتّأمّل بالفكر الآبائيّ.

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس يلتقي بـ ٦ آلاف طالب ومعلم ومدير من مدارس السلام

البابا فرنسيس يلتقي بـ ٦ آلاف طالب ومعلم ومدير من مدارس السلام – Vatican News إنّ لق…