يناير 27, 2023

من هم مبارَكو الملكوت؟

من هم مبارَكو الملكوت؟

تيلي لوميار/ نورسات

“يخبرنا يسوع أنّ الملكوت هو من نصيب الفقراء والوُدعاء والرّحماء وكلّ من تحتاج حياته الإصلاح. هؤلاء هم من لهم الملكوت: الأوّلون في الملكوت هم الآخرون”.


ترنيمة يسوع أنت إلهي بصوت المرنمة كريستيان نجّار

هكذا يشرح بطريرك القدس للّاتين بييرباتيسا بيتسابالا، خلال تأمّله بإنجيل الأحد الرّابع من الزّمن العاديّ الّذي فيه يمكن أن نرى من له نصيب في الملكوت، فيقول بحسب إعلام البطريركيّة:

“نحن ما زلنا في بداية خدمة يسوع العلنيّة. لقد رأينا أنّ الرّبّ كان قد ترك النّاصرة ليذهب ويعيش في كفرناحوم، وفي هذه المدينة يبدأ المسيح إعلانه حلول الزّمان وقرب مجيء ملكوت الله.

لقد رأينا الأحد الماضي أين وكيف يتدخّل ملكوت الله في مجرى حياة الإنسان.

اليوم سنرى من سيكون له نصيب في هذا الملكوت، وأيّة حياة سيقوم بالتّأثير عليها.

لا يستعمل يسوع كلمات لتفسير ماهيّة ملكوت الله: فهو لا يقدّم أيّ وصف له، ولا يبيّن شريعته، ولا يضعه في إطار نظام لاهوتيٍّ محدّد، وإنّما يوفّر ببساطة تفاصيل وأفكارًا عنه ويقدّم وصفًا لما سيترتّب عليه. كما ويفتح أبواب هذا الملكوت لكي يسمح بدخول الرّاغبين فيه، وكلّ من يدرك أنّ هذه الوجهة تمثّل الطّريق الصّحيح للحياة. لا يخبرنا يسوع ما الواجب عمله لكي نكون مستحقّين لدخول الملكوت.

لكنّه يؤكّد أنّ فئات معيّنة من النّاس، من دون أن تدري بذلك، تنتمي مسبقًا إلى الملكوت، وأنّ بإمكانهم التّعجّب والابتهاج لمعرفة أنّ الملكوت هو من نصيب أمثالهم من النّاس.

من هم هؤلاء النّاس؟

قد نتوقّع أن تكون الإجابة عبارة عن قائمة بجميع أولئك المحظوظين في الحياة، والّذين ينتمون إلى مكانهم الطّبيعيّ، ويتمسّكون ويحافظون على الشّريعة. على عكس ذلك، يخبرنا يسوع أنّ الملكوت هو من نصيب الفقراء والوُدعاء والرّحماء وكلّ من تحتاج حياته الإصلاح. هؤلاء هم من لهم الملكوت: الأوّلون في الملكوت هم الآخرون.

إنّ أوّل أمر نتعلّمه عند سماعنا للتّطويبات يتعلّق بالله نفسه: بالطّبع يحبّ الله جميع النّاس، ولكنّه يفضّل البعض على الغير، وهؤلاء المفضّلون هم من يميل النّاس إلى رفضهم وإهمالهم: الفقراء وصانعو السّلام وأنقياء القلوب… إن كانت الطّريقة لمحبّة الله هي الرّحمة، بمعنى إعطاء قلبه للفقراء، إذًا لن يستطيع إلّا أن يبدأ بهم.

لكن ما يفضّله الله يختلف عمّا نفضّله: نحن نميل إلى تفضيل شخص ما واستبعاد الآخرين؛ أمّا الله، في المقابل، فهو يفضّل البعض ليشمل الجميع.

في الحقيقة، يبدأ الله بالآخرين، من الأسفل، ليصعد مجَدّدًا ليتمكّن من اصطحاب جميع النّاس.

كلّ من يحبّ يفهم تمامًا منطق الله: لا يحبّ الوالدان جميع أطفالهما في نفس الطّريقة، ولكن محبّتهما تكون أكثر لأولئك الّذين هم في أشدّ الحاجة.

هذه هي الطّريقة الوحيدة الّتي يستطيعان من خلالها بالفعل محبّة جميع أطفالهم.

إذًا نستطيع القول إنّ يسوع، عندما يهيّء ملكوته، سيبدأ من هنا.

نحن على يقين وإيمان أنّ ملكوت الله هو ملكوت عدل وسلام.

في هذا الملكوت لن يدين يسوع مرتكبي الظّلم، ولن يعاقب المسؤولين عن فقر العديد من النّاس، ولن يلاحق مقترفي الشّرّ. لن يقوم بسنّ قوانين جديدة أو القضاء على الظّلم أو حلّ المشاكل. بدلاً من ذلك، سينشغل بالفقراء ومفطوري القلوب ودعاهم بـ”المباركين”، وحتّى في هذا الوقت على هذه الأرض.

ولكن، ما هي هذه البركة والفرحة الّتي لا نعرفها، والّتي لا يستطيع كشفها أحد إلّا الرّبّ؟

مباركو الملكوت هم أولئك الّذين لا يفرّون من الحياة، ولا يجدون الطّرق السّهلة.

لا يبحث الفقراء والوُدعاء والرُّحماء، الّذين يواجهون مصاعب ومآسي الحياة، إلى إنقاذ أنفسهم بأيّ ثمن، ولا فرض أنفسهم على الآخرين بالقوّة؛ بل على عكس ذلك، هم معلّقون في الفراغ من دون محاولة ملئه بقوّتهم، يجتازون المصاعب من دون محاولة السّيطرة عليها.

عاجلاً أم آجلاً، يختبر هؤلاء أنّه في الظّلام تفتح الطّريق نحو تجربة جديدة مع الله: هذا هو المكان الّذي نلتقي به. وفي حال رأينا وجه الله، واكتشفنا أنّنا من بين هؤلاء “المفضّلين”، سيتغيّر المنطق الّذي نعيش خلاله حياتنا، والمعيار الّذي نستعمله للحكم على ما هو ضروريّ وصحيح أو عكس ذلك: ما حسبناه ربح أصبح خسارة (راجع فيلبّي ٣: ٧). هؤلاء الأشخاص، يقول يسوع، هم بالفعل مباركون ومحظوظون.

لأنّ الّذي اكتشف منطق القيامة المتأصّل في كلّ مأساة بشريّة، لا شيء بعد الآن يستطيع أن يخيفه: وحتّى أصعب التّجارب تمسي ثمينة بشكل غامض.

هذا هو الفرح الحقيقيّ!

قد نعتقد أنّ الفرح مرتبط بممتلكاتنا وما يملأ فراغنا.

تحدّثنا التّطويبات عن فرح آخر، أكثر عمقًا، يرتبط بما لا نملك وما نتلقّاه من الآخر. الآخر الّذي لا يبذل إلّا نفسه.

إنّها وجهة نظر لا يمكن أن تُفسّر أو تُفهم بطريقة نظريّة. إنّ تجربة الإيمان هي الوسيلة الّتي تسمح لنا بالحكم على الأمور بطريقة جديدة.

وحدهم الّذين يعيشونها باستطاعتهم فهمها. أمّا بالنّسبة للآخرين، هذا كلّه جنون…”.

‫شاهد أيضًا‬

رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر يختتم زيارته الرسميّة إلى الأردن

رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر يختتم زيارته الرسميّة إلى الأردن | Abouna سأحمل معي إلى ا…