أغسطس 7, 2021

هل هناك خبز آخر يُغذّي الحياة إلى الأبد؟

عشيّة الأحد التّاسع عشر من الزّمن العادي، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بخبر الحياة، فيقول بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين:

“رأينا يوم الأحد الماضي ردود فعل النّاس الأوّليّة أمام معجزة الخبز، تمامًا كما وردت في الفصل السّادس من بشارة يوحنّا.

يبحث النّاس عن يسوع، غير أنّ يسوع يطلب منهم إيضاح دوافعهم من وراء هذا البحث: ما الّذي يبحثون عنه؟ أيّ شكل من الجوع هو الّذي يدفعهم؟

كما تعامل يسوع مع عطش المرأة السّامريّة، هكذا يتعامل معهم الآن: وكما أنّ هناك ماء حيّ، يروي العطش إلى الأبد (يوحنّا 4: 14)، هكذا هناك أيضًا خبز حقيقيّ يسدّ الجوع للحياة الأبديّة.

وهكذا، سيكون الموضوع هو فهم ماهيّة هذا الخبز، ومن أين يأتي، ومَنْ يُعطينا إيّاه، وكيف يمكنه أن يغذّينا.

نجده في التّأكيد الأوّل الّذي نتوقّف عنده اليوم في الآية 49: “آباؤكم أكلوا المنّ في البرّيّة ثمّ ماتوا”.

تتكرّر كلمة “الموت”، وكذلك كلمة “الحياة” عدّة مرّات في هذه الآيات، وهما تساعدانا على فهم أين تكمن المشكلة، وعمّا يتحدّث يسوع. يتحدّث يسوع عن مشكلة الإنسان الأساسيّة، أيّ عن حياته وموته.

لقد عاش شعب إسرائيل في مسيرة الصّحراء خبرة عظيمة، هي خبرة المنّ: لقد تحمّل الرّبّ، على امتداد سنوات طويلة، مسؤوليّة إطعام شعبه بالخبز الّذي كان يُهدّئ جوعه كلّ يوم.

لم يكن مجرّد خبز عاديّ، بل كان من السّماء، وكان رمزًا لحضور الرّبّ في حياة شعبه.

من المؤكّد أنّه كان معجزة رائعة، ومع ذلك لم يكن كافيًا لإبعاد الموت عن آكليه. أكلوا منه، ولكنّهم ماتوا. لقد كان خبزًا يغذّي حياة مآلها الموت.

نحن نأكل كي نعيش، ومع ذلك فإنّ الخبز المتوفّر لدينا هو خبز لا يُلغي الموت.

هل هناك خبز آخر يُغذّي الحياة إلى الأبد؟ خبزُ حياة أبديّة؟ كيف يمكن أن يكون هناك مثل هذا الخبز؟

يقول لنا المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد إنّنا لا نستطيع إعطاء أيّة إجابة على هذا السّؤال ما لم نسمح لأنفسنا بالانجذاب إلى الآب (يوحنّا 6: 44).

إن معرفة هذا الخبز ليست من عمل الإنسان، كما سبق وأن ذكرنا مرّات عديدة، لكنّها هبة من الرّبّ. لا يستطيع الإنسان بمفرده أن يفهم المعثرة الكبيرة، الأمر المحيّر في هذا الخبز، وهو ما يُلخّصه يسوع في الآية الأخيرة الّتي نقرأها اليوم: “إنّ الخبز الّذي سأعطيه أنا هو جسدي أبذله ليحيا العالم” (يوحنّا 6: 51).

إنّ الشّيء الّذي يُثير الدّهشة هو في جسد يسوع، في حياته البشريّة والهشّة؛ حياة الرّبّ بأكملها تُصبح خبزًا للبشر، تُصبح غذاءً لحياة حقيقيّة.

من المدهش أنّ الخبز النّازل من السّماء يمرّ عبر حياة إنسان، عبر جسده: ليس هناك حياة إلهيّة سوى في جسد الإنسان يسوع، الّذي يختار أن يعطينا هذا الجسد غذاء وهبة. وكلّ هذا لمجرّد أن يتمكّن الإنسان من أن يحيا أخيرًا حياة تتعدّى الموت وتتواصل إلى ما وراء الموت. من يأكل من هذا الخبز، في الواقع، تكون له الحياة الأبديّة (يوحنّا 6: 51).

هذا هو السّبب في كونه خبزًا حقيقيَّا (يوحنّا 6: 32). هو خبز حيّ: فقط ما هو حيّ يستطيع أن يُغذّينا للحياة الأبديّة. لقد كان المنّ يُغذّي الحياة الأرضيّة، تلك الّتي تموت؛ أمّا جسد المسيح فهو يُغذّينا بحياة الآب، الحياة الّتي لا تموت.

من أجل فهم هذا لا نحتاج سوى إلى الدّخول في خبرة الإيمان، الّتي هي مسألة انجذاب، وليست مسألة مجهود بشريّ: إنّها التّرحيب بذلك العمل الّذي يُتمّمه الرّبّ في البشر بشكل خفيّ.

يتمّمه في جميع البشر، لأنّ الجميع سوف ينجذبون إلى الرّبّ، وسوف يتتلمذون جميعًا على يديه (يوحنّا 6: 45)، ولا أحد مستثنى من هذا.

ليس الانجذاب إكراهًا: لا أحد مجبرٌ على تناول هذا الخبز. يأكل منه فقط أولئك الّذين يهتمّون بجوعهم، أولئك الّذين يقبلون الحصول على هبة من العُلى، أولئك الّذين لا يكتفون، أولئك الّذين يواصلون البحث.

وعندما لا يحدث هذا، يكون البديل هو التّذمّر (يوحنّا 6: 41 و43)، تمامًا كما يفعل الإسرائيليّون أمام تأكيد يسوع عن نفسه بأنّه هو الخبز الحقيقيّ النّازل من السّماء.

إنّ خبز الحياة موجود أمام أعينهم، لكنّهم لا يسمحون لأنفسهم بالانجذاب إليه، لأنّهم قد توقّفوا عن البحث، ولأنّهم لا يقبلون أن يُصابوا بالدّهشة.

إنّ التّذمّر هو اللّازمة الّتي ترافق إسرائيل في الصّحراء، عندما لا يعود الإنسان يذكر أن الرّبّ يفتقده بعنايته، وعندما يسمح للخوف من الموت أن يستولي عليه. التّذمّر هو محاولة الإنسان أن يفهم من دون أن يُصغي، وأن يجمع بين ما هو حقيقي إلى ما تراه عيناه؛ إنّه مقاومة الانجذاب إلى الربّ.

لذلك، سوف ينجذب؛ ومن يسمح لنفسه بالانجذاب يأكل ويحيا.”

‫شاهد أيضًا‬

بيان صادر من إدارة مزار سيدة لبنان

صدر عن إدارة مزار سيدة لبنان حريصا البيان التوضيحي التالي:بعد انتشار بعض الفيديوهات عبر وس…