أكتوبر 13, 2021

البابا فرنسيس في رسالته للشّباب: إنهضوا!

يُحتفل في 21 تشرين الثّاني/ نوفمبر باليوم العالميّ للشّباب وذلك على صعيد الأبرشيّات، تحت عنوان “انهَضْ! سأَجعَل مِنكَ شاهِدًا لِهذهِ الرُّؤْيا” (أعمال الرّسل 26، 16).

وللمناسبة وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى الشّباب دعا فيها كلّ منهم إلى النّهوض، قائلاً: “إنهَض! لا يمكنك البقاء على الأرض “تبكي حظَّك”، هناك رسالة تنتظرك! يمكنك أنت أيضًا أن تكون شاهدًا على الأعمال الّتي بدأ يسوع يحقّقها فيك.”

وفي تفاصيل الرّسالة وتوصيات البابا للشّبيبة، كتب الأب الأقدس بحسب موقع الكرسيّ الرّسوليّ:

“أيّها الشّباب الأعزّاء،

أودّ أن آخذ بيدكم مرّة أخرى حتّى نتابع مسيرتنا معًا في رحلة حجّنا الرّوحيّ الّتي تقودنا إلى اليوم العالميّ للشّبيبة في لشبونة في سنة 2023.

في السّنة الماضية، قبل انتشار الجائحة بقليل، وقّعت على الرّسالة الّتي كان موضوعها “يا فَتى، أَقولُ لَكَ: قُمْ!” (راجع لوقا 7، 14). أراد الرّبّ يسوع، في عنايته، أن يهيّئنا للتّحدّي الأصعب الّذي كان على وشك أن يمرَّ بحياتنا.

كان لا بدّ من مواجهة الألم في جميع أنحاء العالم لفقدان أحبّاء كثيرين، وبسبب العزلة الاجتماعيّة. منعتكم حالة الطّوارئ الصّحّيّة أنتم أيضًا أيّها الشّباب– المنطلقين نحو الخارج بطبيعتكم- أن تخرجوا لتذهبوا إلى المدرسة والجامعة والعمل والالتقاء بعضكم مع بعض…

ووجدتم أنفسكم في مواقف صعبة، لم تكونوا معتادين على مواجهتها. والّذين كانوا أقلّ استعدادًا ولا سند لهم شعروا بالارتباك. وظهرت مشاكل عائليّة في كثير من الحالات، إلى جانب البطالة والاكتئاب والعزلة والإدمان. ولا نذكر الضّغط المتراكم والتّوترات وانفجار الغضب وتزايد العنف.

لكن الحمد لله لأنّ هذا ليس الوجه الوحيد لواقعنا. إذا أظهرت لنا المحنة نقاط ضعفنا، فقد أظهرت أيضًا فضائلنا، منها استعدادنا للتّضامن. رأينا في كلّ أنحاء العالم أشخاصًا كثيرين، وفيهم شباب كثيرون، يناضلون من أجل الحياة، ويزرعون الرّجاء، ويدافعون عن الحرّيّة والعدالة، وأصبحوا صانعي سلام وبناة جسور.

عندما يسقط شابّ، تسقط الإنسانيّة، بمعنى ما. ولكنّه صحيح أيضًا أنّه عندما ينهض شابّ، فكأنّ العالم كلّه ينهض. أعزّائي الشّباب، كم هي كبيرة الإمكانات الّتي بين أيديكم! وأيّة قوّة تحملون في قلوبكم!

ولهذا، اليوم، يقول الله، مرّة أخرى، لكلّ واحد منكم: “انهَضْ!”. أرجو من كلّ قلبي أن تساعدنا هذه الرّسالة في الاستعداد للأوقات الجديدة، ولصفحة جديدة في تاريخ البشريّة. لكن لا يمكن البدء من جديد من دونكم، أيّها الشّباب الأعزّاء. حتّى ننهض، يحتاج العالم إلى قوّتكم، وحماسكم، واندفاعكم. بهذا المعنى، أودّ أن أتأمّل معكم في المقطع من سفر أعمال الرّسل الّذي فيه قال يسوع لبولس: “انهَضْ! سأَجعَلَ مِنكَ شاهِدًا لِهذهِ الرُّؤْيا” (راجع أعمال الرّسل 26، 16).

بولس شاهد أمام الملك

الآية الّتي ألهمت موضوع اليوم العالميّ للشّبيبة لسنة 2021 مأخوذة من شهادة بولس أمام الملك أغريبّا في أثناء وجوده في السّجن. هو، الّذي كان يومًا عدوًّا ومضطهدًا للمسيحيّين، يُدان الآن بالتّحديد بسبب إيمانه بالمسيح. بعد حوالي خمس وعشرين سنة، روى الرّسول قصّته والحدث الأساسيّ الّذي هو لقاؤه مع المسيح.

إعترف بولس أنّه كان يضطهد المسيحيّين في الماضي، حتّى جاء يوم كان ذاهبًا فيه إلى دمشق لإلقاء القبض على بعضهم. سطع نورٌ غمره هو ورفاقه “يَفوقُ الشَّمسَ بإِشعاعِه” (راجع أعمال الرّسل 26، 13). وهو وحده سمع “صَوتًا”: كلّمه يسوع وناداه باسمه.

“شاوُل، شاوُل!”

لنتعمّق معًا في هذا الحدث. ناداه يسوع بإسمه شاول، فأفهمه أنّه يعرفه شخصيًّا. كما لو أنّه يقول له: “أنا أعرف من أنت، وأعرف ما الّذي تخطّط له، ومع ذلك أتوجّه إليك أنت بالتّحديد”. ناداه مرّتين، علامة على دعوة خاصّة ومهمّة جدًّا، مثلما فعل مع موسى (راجع خروج 3، 4) ومع صموئيل (راجع 1 صموئيل 3، 10). سقط شاول على الأرض، وأدرك أنّه شَاهِدٌ لظهورٍ إلهيّ، ووحيٍ قدير، أثار اضطرابه، ولكنّه لم يكن سبب قضاء على شخصيّته، بل ناداه باسمه.

في الواقع، فقط لقاء شخصيّ، ولقاء بالإسم، مع المسيح يغيّر الحياة. أظهر يسوع أنّه يعرف شاول جيّدًا، وأنّه “يعرفه من الدّاخل”. حتّى لو كان شاول مُضطَهِدًا، وحتّى لو كان في قلبه كراهيّة للمسيحيّين، علِم يسوع أنّ هذا كان بسبب الجهل وأراد أن يُظهر رحمته فيه. ستكون بالتّحديد هذه النّعمة، وهذا الحبّ غير المُستَحَق وغير المشروط، النّور الّذي سيغيّر حياة شاول بشكل جذريّ.

“مَن أَنتَ يا رَبّ؟”

أمام هذا الحضور السّرّيّ الّذي يناديه باسمه، سأل شاول: “مَن أَنتَ يا رَبّ؟” (أعمال الرّسل 26، 15). هذا السّؤال مهمّ جدًّا، ويجب على الجميع طرحه في الحياة، عاجلًا أم آجلًا. لا يكفي أن نسمع عن المسيح من الآخرين، ولكن من الضّروري أن نكلّمه شخصيًّا. وهذه هي الصّلاة أوّلًا وآخِرًا. إنّها حديث مباشر مع يسوع، حتّى لو كان قلبنا ما زال مضطربًا، وعقلنا مليئًا بالشّكوك أو حتّى بالازدراء للمسيح والمسيحيّين. آمل أن يصل كلّ شابّ، في أعماق قلبه، إلى طرح هذا السّؤال: “مَن أَنتَ يا رَبّ؟”.

لا يمكننا أن نفترض أنّ الجميع يعرفون يسوع، وحتّى في عصر الإنترنت. والسّؤال الّذي يطرحه كثيرون على يسوع والكنيسة هو بالتّحديد هذا: “مَن أَنت؟”. في كلّ قصّة دعوة القدّيس بولس، كانت المرّة الوحيدة الّتي سأل فيها بولس “مَن أَنت؟”. وعلى سؤاله، أجاب الرّبّ يسوع على الفور: “أَنا يسوعُ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه” (المرجع نفسه).

“أَنا يسوعُ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه”

كشف الرّبّ يسوع لشاول، من خلال هذا الجواب، سرًّا كبيرًا: إنّه شيءٌ واحد هو والكنيسة، والمسيحيّون. حتّى ذلك الحين، شاول لم يكن قد رأى شيئًا عن المسيح سوى المؤمنين الّذين سجنهم (راجع أعمال الرّسل 26، 10)، والّذين طلب هو نفسه قتلهم (المرجع نفسه). ورأى كيف أجاب المسيحيّون على الشّرّ بالخير، وعلى الكراهيّة بالحبّ، وقبلوا الظّلم والعنف والافتراء والاضطهاد الّذي تعرّضوا له من أجل اسم المسيح. لذلك، إذا أنعمنا النّظر، نكتشف أنّ شاول كان قد التقى بالمسيح بطريقة ما ومن دون أن يعرف ذلك: التقاه في المسيحيّين!

كم مرّة سمعنا: “يسوع نعم، الكنيسة لا”، وكأنّ أحدهما يمكن أن يكون بديلًا عن الآخر. لا يمكننا أن نعرف يسوع إذا كنّا لا نعرف الكنيسة. ولا يمكننا أن نعرف يسوع إلّا من خلال الإخوة والأخوات في جماعته. لا يمكننا أن نُدعى مسيحيّين كاملين إن لم نَعِش البُعد الكَنسي للإيمان.

“يَصعُبُ عَليكَ أَن تَرفِسَ المِهْماز”

هذه كانت الكلمات الّتي وجّهها الرّبّ يسوع إلى شاول بعد سقوطه على الأرض. وكأنّه كان يكلّمه منذ فترة بطريقة خفيّة، ويحاول أن يجذبه إليه، وشاول كان يقاومه. يوجّه الرّبّ يسوع نفس “التّوبيخ” اللّطيف إلى كلّ شابّ يبتعد عنه فيقول له: “إلى متى تهرب منّي؟ لماذا لا تسمع أننّي أناديك؟ أنا أنتظر عودتك”. مثل النّبيّ إرميا، نقول أحيانًا: “لا أَذكُرُه”، لن أفكّر فيه (إرميا 20، 9). ولكن، في قلب كلّ واحد يوجد مِثل نار مشتعلة: وحتّى لو حاولنا احتواءَها، لا يمكننا ذلك، لأنّها أقوى منّا.

إختار الرّبّ يسوع من كان يضطهده، ومن كان معاديًا عداءً شديدًا له ولأصحابه. ولكن، لله، لا يوجد إنسان لا يمكن استعادته. من خلال اللّقاء الشّخصي معه، من الممكن دائمًا البدء من جديد. لا يوجد شابّ بعيد عن فعل نعمة الله ورحمته. لا أحد يستطيع أن يقول: إنّه بعيد جدًّا… لقد فات الأوان… كم من الشّباب هواهم أن يعارضوا وأن يسيروا بعكس التّيّار، ولكنّهم يخبّئون في قلوبهم شوقًا إلى أن يلتزموا، وأن يحبّوا بكلّ قوّتهم، وأن يكونوا أصحاب رسالة! رأى يسوع بالتّحديد في شاول مثل هذا الشّابّ.

أن نعرف أنّنا عميان

يمكننا أن نتصوّر أنّ شاول، قبل لقائه بالمسيح، كان بمعنًى ما “ممتلئًا بنفسه”، ومعتبرًا نفسه “عظيمًا” لاستقامته الأخلاقيّة وغيرته ولأصوله وثقافته. وكان مقتنعًا بالتّأكيد أنّه كان على حقّ. لكن عندما كشف الرّبّ يسوع نفسه له، “سَقَط” ووجد نفسه أعمى.

وإكتشف فجأة أنّه غير قادر أن يرى، ليس فقط جسديًّا، بل أيضًا روحيًّا. فتداعى يقينه. وشَعر في روحه أنّ ما كان يحرّكه بهوًى شديد– أيّ الغيرة للقضاء على المسيحيّين- كان خطأً كبيرًا. وأدرك أنّه ليس صاحب الحقّ المطلق، بل هو بعيد عنه. ومع يقينه، سقطت “عظمته” أيضًا. وفجأة، وجد نفسه تائهًا وضعيفًا و”صغيرًا”.

هذا التّواضع- أيّ إدراك حدودنا– هو أمر أساسيّ! من يعتقد أنّه يعرف كلّ شيء عن نفسه، وعن الآخرين، وحتّى عن الحقائق الدّينيّة، سيجد صعوبة في لقاء المسيح. فَقَدَ شاول، بعد أن أصبح أعمى، مرجعيّاته الّتي كان يعتمد عليها. بَقِيَ وحيدًا، في الظّلام، وكانت الأمور الوحيدة الواضحة بالنّسبة له النّور الّذي رآه والصّوت الّذي سمعه. يا لها من مفارقة: فقط عندما ندرك أنّنا عُميَان، نبدأ في الرّؤية!

بعد الظّهور الصّاعق على الطّريق إلى دمشق، فضّل شاول أن يُدعى بولس، أيّ “الصّغير”. ليس اسمًا مستعارًا أو “اسمًا في العمل”،- الّذي يُستخدم اليوم كثيرًا حتّى بين النّاس العاديّين. في الواقع جعله اللّقاء مع المسيح يشعر بهذا الشّعور، وحطَّم الجدار الّذي كان يمنعه من معرفة نفسه في الحقيقة. وقد قال هو عن نفسه: “ذلك بأَنِّي أَصغَرُ الرُّسُل، ولَستُ أَهْلاً لأَن أُدْعى رَسولاً لأَنِّي اضطَهَدتُ كَنيسةَ الله” (1 قورنتس 15، 9).

أحبّت القّديسة تريزا الطّفل يسوع، مثل غيرها من القدّيسين، أن تكرّر أنّ التّواضع هو الحقيقة. في الوقت الحاضر، نحاول أن نجد طعمًا لحياتنا من خلال “قصص” كثيرة، لاسيّما على الشّبكات الاجتماعيّة، والّتي غالبًا ما يتمّ إنشاؤها بفنّ، مع الكثير من الأجهزة، والكاميرات والخلفيّات المختلفة.

نبحث عن أضواء المسرح بشكل متزايد، والموجّه بدقّة، حتّى نُظهر “للأصدقاء” وللمتابعين صورة عن ذاتنا، والّتي لا تعكس، أحيانًا، حقيقتنا. جاء المسيح، شمس الظّهر السّاطعة، لينيرنا ويعيدنا إلى أصالتنا، وليحرّرنا من كلّ الأقنعة، ويُظهر لنا بوضوح ما نحن عليه، لأنّه يحبّنا كما نحن.

تغيير وجهة النّظر

إهتداء بولس ليس رجوعًا إلى الوراء، ولكنّه انفتاح على آفاق جديدة تمامًا. في الواقع، واصل مسيرته نحو دمشق، ولكن لم يعد الّذي كان من قبل، بل هو إنسانٌ مختلف (راجع أعمال الرّسل 22، 10).

يمكننا أن نغيّر أنفسنا ونُجدّدها في الحياة العاديّة، وأن نفعل الأمور الّتي نفعلها عادة، ولكن بقلب تغيّر ودوافع مختلفة. في هذه الحالة، طلب يسوع صراحةً من بولس أن يذهب إلى دمشق، حيث كان مُتَّجِهًا. أطاع بولس، ولكن الآن، تغيّر هدف رحلته ومعناها بشكل جذريّ. من الآن فصاعدًا، سيرى الواقع بعينين جديدتين. سابقًا كانت عَينَيْ الجلّاد المُضطَهِد، ولكن، من الآن فصاعدًا، هي عَينا التّلميذ الشّاهد. عمّده حنانيا في دمشق وقدّمه إلى الجماعة المسيحيّة. سيعمّق بولس خبرته الخاصّة في الصّمت والصّلاة، وهويّته الجديدة الّتي منحه إيّاها الرّبّ يسوع.

لا تبدّدوا قوّة واندفاع الشّباب

موقف بولس قبل اللّقاء مع يسوع القائم من بين الأموات ليس غريبًا جدًّا علينا. كم من القوّة والاندفاع في قلوبكم أيضًا، أيّها الشّباب الأعزّاء! لكن إذا كان الظّلام من حولكم وفي داخلكم يمنعكم أن تروا بشكل صحيح، فهناك خطر لأن تضيعوا في معارك لا معنى لها، حتّى يمكن أن تصبحوا عنيفين.

وللأسف، ستكونون أنتم أنفسكم أوّل الضّحايا، ومن هم أقرب النّاس إليكم. يوجد أيضًا خطر النّضال من أجل القضايا الّتي تدافع في الأصل عن القيم العادلة، ولكنّها، إذا بالغنا فيها، تحوّلت إلى أيديولوجيّات هدّامة.

كم من الشّباب اليوم، ربما يكونون مدفوعين بمعتقداتهم السّياسيّة أو الدّينيّة، لكنّهم يصبحون في آخر الأمر أدوات للعنف والدّمار في حياة الكثيرين! يَجِدُ البعض مِن مواليد العصر الرّقميّ”، ساحة معركة جديدة في البيئة الافتراضيّة وفي الشّبكات الاجتماعيّة، ويلجأون، من دون ضمير، إلى سلاح الأخبار الكاذبة، لنشر السّموم والقضاء على خصومهم.

لمّا دخل الرّبّ يسوع في حياة بولس، لم يُلغِ شخصيّته، ولم يوقِف حماسه واندفاعه بل استخدم هذه الصّفات نفسها ليجعل منه المبشّر الكبير حتّى أقاصي الأرض.

رسول الأمم

سيُعرَف بولس لاحقًا باسم “رسول الأمم”: هو الّذي كان فرّيسيًّا وحافظًا متشدِّدًا للشّريعة! وهذه مفارقة أخرى: وضع الرّبّ يسوع ثقته بالتّحديد في مَن كان يضطهده. يمكن لكلّ واحد منّا، مثل بولس، أن يسمع في أعماق قلبه هذا الصّوت الّذي يقول له: “أنا أثق بك. وأعرف قصّتك وأحملها وإيّاك بين يدَيّ. وحتّى لو كنت ضدّي في كثير من الأحيان، فأنا اخترتك وجعلتك شاهدًا لي”. يمكن للمنطق الإلهيّ أن يجعل أسوأ مُضطهدٍ شاهدًا كبيرًا.

دُعي تلميذ المسيح ليكون “نور العالَم” (متّى 5، 14). يجب على بولس أن يشهد بما رآه، ولكنّه الآن أعمى. ها نحن من جديد في المفارقة! ولكن، سيتمكّن بولس، من خلال خبرته الشّخصيّة بالتّحديد، أن ينفَذَ في داخل الّذين أرسله الرّبّ يسوع إليهم. في الواقع، هو جُعِلَ شاهدًا “لِتَفتَحَ عُيونَهم فيَرجِعوا مِنَ الظَّلامِ إِلى النُّور” (أعمال الرّسل 26، 18).

“إنهَض واشهَد”

في قبولنا للحياة الجديدة الّتي أُعطيت لنا في المعموديّة، أعطانا الرّبُّ يسوع أيضًا رسالة وهي: “ستكون لِي شاهدًا!” إنّها رسالةٌ نكرّسُ أنفسنا لها، وتغيّر حياتنا.

دعوة المسيح لبولس موجّهة اليوم إلى كلّ واحد/ة منكم/ منكنّ أيّها الشّباب والشّابّات: انهَض! لا يمكنك البقاء على الأرض “تبكي حظَّك”، هناك رسالة تنتظرك! يمكنك أنت أيضًا أن تكون شاهدًا على الأعمال الّتي بدأ يسوع يحقّقها فيك. لذلك، أقول لك، باسم المسيح:

– إنهَض واشهد لتجربتك مثل أعمى التقى النّور، ورأى صلاح الله وجماله، في نفسه، وفي الآخرين، وفي شركة الكنيسة الّتي تغلب كلّ عزلة.

– إنهَض واشهد للحبّ والاحترام الّذي يمكن أن ينشأ في العلاقات الإنسانيّة، وفي الحياة العائليّة، وفي الحوار بين الوالدين والأبناء، وبين الشّباب وكبار السّن.

– إنهض ودافع عن العدالة الاجتماعيّة، والحقيقة والاستقامة، وحقوق الإنسان، والمضطهدين، والفقراء والضّعفاء، والّذين لا صوت لهم في المجتمع، والمهاجرين.

– إنهَض واشهد للنّظرة الجديدة الّتي تُريك الخليقة بعيون مليئة بالدّهشة، وتُعرّفك على الأرض أنَّها بيتنا المشترك، وتمنحُك الشّجاعة للدّفاع عن البيئة بكاملها.

– إنهَض واشهد أنّ كلّ حياة أخفقت يمكن أن تُبنى من جديد، والأشخاص الّذين ماتوا في الرّوح يمكن أن يعودوا إلى الحياة، والمُستعبَدِين يمكن أن يحرّروا، والقلوب المثقلة بالحزن يمكن أن يعود إليها الرّجاء.

– إنهَض واشهد بفرح أنّ المسيح حَيّ! وانشُر رسالته، رسالة الحبّ والخلاص، بين أبناء جيلك، وفي المدرسة، وفي الجامعة، وفي العمل، وفي العالم الرّقمي، وفي كلّ مكان.

الرّبّ يسوع يثق بكم، والكنيسة، والبابا، ويقيمونكم شهودًا أمام الشّباب الآخرين الكثيرين، الّذين تقابلونهم على “طُرُقِ دِمَشق” في زمننا. لا تنسَوا: “إن اختبر أحدكم حقًّا حبّ الله المخلّص، فهو لا يحتاج إلى وقتٍ كثير ليستعدّ ثمّ ينطلق ويبشّر به، ولا يمكنه أن ينتظر مزيدًا من الدّروس والتّعاليم الطّويلة. كلّ مسيحيّ هو مُرسلٌ بمقدار ما يلتقي حبّ الله في يسوع المسيح” (الإرشاد الرّسولي، فرح الإنجيل، 120).

إنهضوا واحتفلوا في اليوم العالميّ للشّبيبة في الكنائس الخاصّة!

أُجدّد لكم جميعًا، يا شباب العالم، الدّعوة إلى المشاركة في هذا الحجّ الرّوحي الّذي سيقودنا إلى الاحتفال باليوم العالميّ للشّبيبة في لشبونة في سنة 2023. ولكن، سيكون الموعد المقبل في كنائسكم الخاصّة، وفي مختلف الأبرشيّات في العالم، حيث سيتمّ الاحتفال- على المُستوى المحلّيّ- باليوم العالميّ للشّبيبة لسنة 2021، في عيد يسوع الملك.

أرجو أن نعيش كلّنا هذه المراحل مثل حُجّاج حقيقيّين، وليس مثل “سيّاح الإيمان”! لنفتح قلوبنا لمفاجآت الله، الّذي يريد أن يضيء نوره في طريقنا. ولنفتح قلوبنا حتّى نصغي إلى صوته، من خلال إخوتنا وأخواتنا أيضًا. وهكذا نساعد بعضنا بعضًا لننهض معًا، وفي هذه اللّحظة التّاريخيّة الصّعبة، سنصبح أنبياء لعصرٍ جديد، مليء بالرّجاء! ولتشفع لنا العذراء مريم.”

‫شاهد أيضًا‬

ندوة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في عكار برعاية كاريتاس وصندوق الأمم المتحدة للسكان

ندوة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في عكار برعاية كاريتاس وصندوق الأمم المتحد…