المطران خيرالله في عيد مار يوحنّا مارون: تعالوا نتكوكب من جديد حول بطريركنا
تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله القدّاس الإلهيّ في الكرسيّ البطريركيّ الأوّل في كفرحي، لمناسبة عيد البطريرك الأوّل مار يوحنّا مارون، ألقى خلاله عظة قال فيها:
“أتوجّه أوّلاً بتحيّة تقدير واحترام وطاعة إلى أبينا صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، إلى أبي الرّوحيّ المطران بولس آميل سعاده مرمّم هذا الدّير،
أخي سيادة المطران أنطوان بو نجم راعي أبرشيّة أنطلياس،
إخوتي الكهنة والرّهبان وأخواتي الرّاهبات،
يا أبناء مارون ويوحنّا مارون، ويا موارنة من أجل لبنان
نلتقي اليوم، في عودة إلى الينابيع والجذور الرّوحانيّة والتّاريخيّة والكنسيّة، لنعيّد معًا مار يوحنّا مارون البطريرك الأوّل ومؤسّس الكنيسة البطريركيّة المارونيّة ومطلق مسيرتها من هنا، من كفرحي من هذا الدّير الكرسيّ البطريركيّ الأوّل، في رسالة أمميّة حملتها إلى العالم بنكهة مارونيّة في طاعة للرّبّ يسوع المسيح الّذي دعاها، ويدعونا نحن أبناء مارون ومار يوحنّا مارون، في إنجيل اليوم، إلى أن نكون ملح الأرض ونور العالم.
إنتقل يوحنّا مارون الأنطاكيّ من دير مار مارون الكبير على ضفاف العاصي، حيث كان رئيسًا لرهبان مار مارون الّذين تميّزوا بدفاعهم عن الإيمان الكاثوليكيّ الّذي أعلنته الكنيسة في المجامع المسكونيّة الأولى، لاسيّما مجمع خلقيدونية، إلى جبال لبنان، مسكن الله وأوليائه، الّذي أصبح في ما بعد لبنان الكبير، حيث تجمّع أبناء مارون حول الأديار والكنائس، ليكون أسقفًا لأبرشيّة البترون.
ثمّ تنظّموا في كنيسة بطريركيّة انتخبوا لها يوحنّا مارون بطريركًا مؤسّسًا وبطريركًا أوّل، متّخذين من جبال لبنان ووديانه معقلاً لهم لعيش الحرّيّة، حرّيّة أبناء الله، ومحافظين على مقوّمات روحانيّتهم النّسكيّة الّتي وضعها أبوهم الرّوحيّ مار مارون وعاشها وشهد لها هو وتلاميذه الأوّلون؛ وهي قائمة على الزّهد في العالم والصّوم والسّهر والصّلاة والعمل في الأرض.
ثمّ بدأوا انتشارهم جنوبًا وشمالاً وشرقًا وغربًا، وانفتحوا على العالم. ولم يخافوا أن يذوبوا أو أن يندمجوا في شعوب العالم، بل تبنّوا لغاتها وثقافاتها وحضاراتها، وكانوا روّادًا للاستشراق في الغرب واللّاستغراب في الشّرق، بفضل تلامذة المدرسة المارونيّة في روما، وروّاد النّهضة العربيّة بفضل تلامذة عين ورقة؛ وذلك بقيادة بطارتكهم، خلفاء يوحنّا مارون.
وساهموا مع إخوانهم المسيحيّين والمسلمين والدّروز بتأسيس الكيان اللّبنانيّ والذّاتيّة اللّبنانيّة.
وكان سرُّ نجاحهم في سعيهم الدّائم نحو القداسة ونحو العلم والثّقافة الإبداع أكثر منه نحو السّياسة، أنّهم لم يطلبوا من هذه الدّنيا مالاً وممتلكات وسلطة، ولم يكونوا يومًا أصحاب سلطة ولا سلطويّين، بل واجهوا السّلطنات والأمبراطوريّات على أنواعها، بعنادهم وتمسّكهم بثوابتهم الأربعة:
1-إيمانهم الرّاسخ بالله، الآب والإبن والرّوح القدس، ورجائهم بالإبن الّذي تجسّد على أرضهم وصلب ومات وقام ليخلّص بني البشر؛
2- تعلّقهم بأرضهم المقدّسة الّتي اختارها الله وقفًا له، والعمل فيها والعيش منها بكرامة؛
3- إنفتاحهم على العلم والثّقافة، حتّى صار يقال فيهم: “عالِم كمارونيّ”؛
4- تكوكبهم حول البطريرك رأس كنيستهم وأبيهم ورمز وحدتهم وقائدهم.
وكلّ مرّة كانوا يحيدون عن هذه الثّوابت كانوا يفشلون ويتراجعون.
وسلسلة البطاركة العظام خلفاء مار يوحنّا مارون تثبت ذلك على مدار التّاريخ، من البطريرك الأوّل يوحنّا مارون حتّى البطريرك السّابع والسّبعين بشارة الراعي، مرورًا بإرميا العمشيتيّ وجبرائيل حجولا الشّهيد وإسطفان الدّويهيّ والياس الحويّك الّذي حصل سنة 1920، بإسم جميع اللّبنانيّين، على إعلان دولة لبنان الكبير كما أراده وطنًا لجميع أبنائه في ميزة العيش الواحد في الحرّيّة والكرامة والاحترام المتبادل لتعدّديّة الانتماءات الطّائفيّة والدّينيّة والثّقافيّة والحضاريّة، معلنًا الولاء للوطن قبل الولاء لأيّ انتماء آخر والمساواة في المواطنة والأفضليّة في الكفاءة.
وهذا ما أكّده بعد سبعين سنة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني معلنًا للعالم أنّ لبنان هو وطن رسالة لجميع شعوب العالم وبلدانه.
وأضاف البابا بنديكتوس السّادس عشر أنّ لبنان وطن نموذج.
وأكّد على ذلك قداسة البابا فرنسيس. ولكنّه أعلن مؤخّرًا عن تخوّفه من أن يفقد لبنان هوّيته ودعوته التّاريخيّة ورسالته ودوره الرّائد كوطن رسالة.
يا أبناء مارون ويوحنّا مارون،
في عيد مار يوحنّا مارون، وفي بدء مسيرة الصّوم الكبير،
نحن مدعوّون إلى وقفة وجدانيّة، أمام ذواتنا وأمام الله وأمام العالم وأمام التّاريخ، لنفحص الضّمير في عودة إلى ثوابتنا وروحانيّتنا.
نحن مدعوّون إلى فعل توبة صادق نطلب فيه المغفرة من الله ومن بعضنا البعض على كلّ الانتهاكات الّتي اقترفناها بحقّ الله والقريب وبحقّ وطننا لبنان. فنتجدّد في استعادة قيمنا وفي تضامننا ووحدتنا وترفّعنا عن مغريات الدّنيا لنحمل رسالة المحبّة والانفتاح والحوار والرّيادة.
تعالوا ننتفض على الواقع الأليم ونغيّر مساره نحو السّلام والإنماء والازدهار بدل أن نبقى واقفين تحت الصّليب نندب حظّنا ونرثي لحالنا.
فالمسيح قام وسبقنا إلى الضّفّة الأخرى، إلى العالم الجديد، وينادينا قائلاً: إذهبوا في الأرض كلّها واحملوا رسالة المحبّة وخدمة الإنسان.
لا يمكن أن نسكت عن الظّلم اللّاحق بأبنائنا وبأبناء الوطن.
لا يمكن أن نرضى بأن نترك لأولادنا من بعدنا دولةً فاشلة ومؤسّسات منهارة تتآكلها مطامع بعض المسؤولين الفاسدين.
تعالوا نعطي لشبابنا رجاءً ببناء دولة تليق بهم وبمستقبلهم.
تعالوا نتكوكب من جديد حول بطريركنا الّذي يحمل إلى العالم مشروع لبنان الغد، الوطن الرّسالة في القرن الحادي والعشرين، لبنان المحايد في دولةٍ حديثة، دولة المواطنة الّتي تساوي اللّبنانيّين في ولائهم للوطن قبل الولاء للطّائفة، دولة العيش الواحد المشترك في احترام التّعدّديّة والحرّيّة والكرامة.
أعطنا يا ربّ في عيد مار يوحنّا مارون أن نبقى في إيماننا ثابتين، وبقيمنا متمسّكين، وعلى رجائنا وطيدين، فنستحقّ أن نكون لك أبناء صالحين. آمين.”
أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة
أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة اوضح رئيس المر…