أغسطس 3, 2023

الراعي: المسؤولين في الدولة منشغلين بمصالحهم وحساباتهم الرخيصة

معانقة البابا فرنسيس لمجموعة من الشبان الأتراك التي عانوا من نتائج زلزال السادس من شباط

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي
قدّاس ضحايا تفجير مرفأ بيروت (٤ آب ٢٠٢٠)
كاتدرائيّة مار جرجس – بيروت، ٣ آب ٢٠٢٣

“لا خفيٌّ إلّا سيظهر، ولا مكتوم إلّا سيُعلم” (لو 12: 2)

  1. بهذا الكلام يؤكّد الربّ يسوع أن لا أحد يستطيع إخفاء الحقيقة، لأنّها نور، “والنّور لا يغشاه الظلام” (يو 1: 5). فمهما حاول الناس إخفاء الحقيقة، يأتي يوم تسقط فيه كلّ الوريقات التي تحجبها عن الأنظار.
    الحقيقة التي بحاولون إخفاءها بتعطيل تحقيقات المحقّق العدلي منذ ثلاث سنوات، تختصّ بهويّة المسؤول عن التفجير، وعن تخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وبالطبع عن مصدرها وطريقها، وعن احتجازها، وعن إهمال التدبير بشأنها عند العلم بخبرها و عدم إخراجها وإعادتها إلى مصدر إنطلاقها. يصف الربّ يسوع “بالرياء” الأشخاص السياسيّين الذين يتظاهرون بالبراءة فيما يخدعهم تهرّبهم من المثول أمام قاضي التحقيق. فإذا كنتم أبرياء، لماذا تتهرّبون وتعيقون التحقيق؟
  2. ليست هذه الحقيقة مدفونة، وكأنّها ميتة، بل تستصرخ ضمائر كلّ المسؤولين عن كارثة 4 آب 2020، مثلما كان صوت الله يستصرخ ضمير قايين قاتل أخيه هابيل، ليل نهار، في النوم وفي اليقظة: “قايين، أين هابيل أخوك؟ ماذا فعلت؟ دم أخيك يصرخ إليّ من الأرض؟” (تك 4: 9-10).
    هابييل اليوم هم المئتان وخمسة وثلاثون (235) قتيلًا، وحوالي خمسة آلاف بين جرحى ومعوّقين، وآلاف المنازل والكنائس ودور العبادة والمؤسّسات والمتاجر والفنادق التي تهدّمت وطاولت نصف العاصمة وضواحيها. فكيف يمكن السكوت عن هذه الكارثة، والمعنيّون بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بحكم مسؤوليّتهم، يتهرّبون من القضاء بتغطية سياسيّة؟ فلا ننسى ما جرى ساعة التفجير إيّاها: فهناك من سمع ورأى، وهناك تصريحات قيلت لساعتها ثمّ رُفعت من التداول الإعلامي!
  3. إنّنا نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة في الوقت الذي قدّم احباؤنا ذبيحتهم في تلك الساعة الرهيبة، اننا نقدمها لراحة تفوس الضحايا، وشفاء الجرحى والمعوّقين وعزاء عائلاتهم، وإظهار الحقيقة المخفيّة إلى الآن، وتطبيق العدالة، والحكم بتعويضات عادلة للمتضرّرين. وفي الوقت عينه ننضمّ إلى مئات العائلات التي تبكي الى اليوم أحبّاءها وتصرخ مطالبةً بالحقيقة والعدالة، وإلى آلاف العائلات التي تعاني من الدمار الذي شرّدها من منازلها، وتلك التي تعاني من إصابات في أجساد أفرادها. إنّنا معكم نرفع الشكر إلى قداسة البابا فرنسيس الذي ذكر في صلاة التبشير الملائكي ظهر الأحد الماضي كارثة تفجير المرفأ. “ورفع الصلاة من أجل الضحايا وعائلاتهم التي تبحث عن الحقيقة والعدالة. وتمنّى أن تجد الأزمة اللبنانيّة المعقّدة حلًّا يليق بتاريخ لبنان وبقيم الشعب اللبنانيّ وختم بالتذكير بأنّ لبنان هو أيضًا رسالة” (23 تمّوز 2023).
  4. وما يؤلم هذه العائلات ويؤلمنا بالأكثر هو عدم إكتراث المسؤولين في الدولة المنشغلين بمصالحهم وحساباتهم الرخيصة. فهم بكلّ أسف غير معنيّين بالذين ما زالوا على فراش الألم في المستشفيات أو في منازلهم، وبعض منهم في حالة غيبوبة منذ ثلاث سنوات، وآخرون يحتاجون إلى عمليّات جراحيّة وعلاجات دائمة لا يقدرون على حمل عبئها المالي. وما القول عن المباني والبيوت المتضرّرة التي تُشرد أهلها وهم غير قادرين على إصلاحها؟
    لكنّ الله لا يترك ابناءه الذين في العالم فريسة الظلم والأفعال التي تعيق وتوقف عمل المحقّق العدلي بردود شكليّة متتالية وموسّعة كبّلت يديه منذ ثلاث سنوات. فلا بدّ من فتح كوّة في هذا الجدار.
    إنّنا نعتبر محقًّا مطلب أهالي الضحايا بلجنة دوليّة لتقصّي الحقائق تساعد المحقّق العدلي في إنجاز مهمّته، ونحثّ الدول على تسليم لبنان ما لديها من معلومات وتحقيقات وصور التقطتها أقمارهم الإصطناعيّة، ونطالبهم بوضع حدّ للتدخلات السياسيّة في ملفّ التحقيقات.
  5. إنّنا نقدّر عمل مكتب الإدعاء في نقابة المحامين الذي منذ ثلاث سنوات يعمل ويُصرّ على متابعة قضيّة كارثة تفجير المرفأ، وصولًا إلى الحقيقة والعدالة والحكم بتعويضات عادلة للمتضرّرين، متحدّين كلّ العراقيل، ونذكر من بينها: تثقيل الملفّ بطلبات ردّ ونقل ومخاصمة؛ صعوبة وحرمان الحصول على أذونات إداريّة ونيابيّة ونقابيّة لملاحقة بعض المشتبه بهم؛ قضيّة طرح القاضي البديل؛ قرار المحقّق العدلي باستئناف مهامّه لكسر محاولات عرقلة التحقيقات والممارسات القضائيّة والقرارات بالمقابل التي اتخذها النائب العام التمييزي.
    فكان لنقابة المحامين أن تصدّت مشكورة لهذه الإجراءات ببيانات ودعاوى مخاصمة وشكاوى جزائيّة لدى محكمة التمييز والتفتيش القضائي.
  6. ولا بدّ من التنويه بما قام به مكتب الإدّعاء في الخارج كمثل إستصدار حكم نهائي من محكمة العدل العليا في بريطانيا بإدانة شركة SAVARO حول مسؤوليّتها المدنيّة بين آخرين عن تفجير مرفأ بيروت، وإلزامها بالتعويض للضحايا وذويهم المدّعين. وقد حدّد الحكم مبالغ التعويضات المستحقّة لهم. أقرّت المحكمة مسؤوليّة الشركة هذه في شهر شباط من العام الحالي. ومعلوم أنّ هذا الحكم قابل للتنفيذ في كلّ بلدان العالم مع مراعاة الأحكام الخاصّة بالصيغة التفيذيّة في كلّ بلد.
    هذا لا يعني أنّ تحقيقات تفجير المرفأ قد انتهت أو أنّ المسؤولين عن هذا الإنفجار سوف يبقون من دون عقاب، أو أنّ المجتمع اللبنانيّ لن ينال العدالة، ولن يعرف الحقيقة. فلا العدالة ينتصر عليها الظلم، ولا الحقيقة تفنيها الظلمة.
    فيبقى كلام الربّ يسوع في إنجيل اليوم واضحًا: “لا خفيٌّ إلّا سيظهر، ولا مكتوم إلّا سيُعلم” (لو 12: 2). له المجد والشكر مع الآب والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

‫شاهد أيضًا‬

أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة

أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة اوضح رئيس المر…