البابا فرنسيس يلتقي في بلجيكا الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين
البشارة، الفرح والرحمة، كلمات ثلاث طرحها البابا فرنسيس كأفكار للتأمل خلال لقائه صباح اليوم السبت في بلجيكا الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين.
في إطار زيارته الرسولية إلى بلجيكا التقى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت ٢٨ أيلول سبتمبر في كاتدرائية القلب المقدس في كوكلبرغ الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين. وعقب تحيته الجميع وإعرابه عن سعادته للقائهم قال الأب الأقدس للحضور إنهم في تقاطع الطرق هذا، بلجيكا، كنيسة في حركة، وأشار إلى الجهود التي يقومون بها منذ سنوات من أجل تغيير حضور الرعايا على أرض الواقع ومنح دفعة قوية لتكوين العلمانيين وإلى العمل على أن يكونوا جماعة قريبة من الناس ترافق الأشخاص وتشهد بلفتات رحمة.
ثم انطلق قداسة البابا من بعض الأسئلة التي وجهها إليه المشاركون في اللقاء طارحا أفكارا للتأمل تتمحور حول ثلاث كلمات: البشارة والفرح والرحمة. وهكذا تحدث أولا عن البشارة واصفا إياها بالطريق الأول الذي يجب السير عليه، وقال في هذا السياق إن تغيرات زمننا وأزمة الإيمان التي نختبرها في الغرب تدفعنا إلى العودة إلى ما هو أساسي، إلى الإنجيل، وذلك كي نعلن مجددا للجميع البشرى السارة التي حملها يسوع إلى العالم بكل جمالها. وفي حديثه عن الأزمات قال البابا فرنسيس إن أية أزمة هي زمن يهزنا ويجعلنا نتساءل من أجل التغيير، هي فرصة ثمينة مثلما حدث لابراهيم وموسى والانبياء. وواصل الأب الأقدس أننا حين نشعر بالإحباط علينا دائما أن نسأل أنفسنا ما هي الرسالة التي يريد الرب توجيهها إلينا، ما الذي تكشفه لنا الأزمة. وفي حديثه عن الأزمة قال قداسته إننا قد انتقلنا من مسيحية مدرَجة في إطار اجتماعي مضياف إلى مسيحية “أقلية” أو ربما من الأفضل قول مسيحية شهادة. ويستدعي هذا الشجاعة من أجل ارتداد كنسي وذلك لإحداث التحولات الرعوية التي تشمل أيضا العادات والنماذج ولغة الإيمان لجعلها تصبح بالفعل في خدمة البشارة. وشدد الأب الأقدس، في إشارة إلى ما تم الاستماع إليه من الحضور، على أن هذه الشجاعة هي مطلوبة أيضا من الكهنة كي لا يكتفوا بالحفاظ على إرث من الماضي بل أن يكونوا رعاة يحبون يسوع المسيح وقادرين على لمس تساؤلات الإنجيل خلال سيرهم مع شعب الله المقدس، أمامه ووسطه وخلفه. وواصل الأب الأقدس أننا حين نحمل الإنجيل يفتح الرب قلوبنا على لقاء مَن هم يختلفون عنا. وأشار البابا في هذا السياق إلى جمال بل ضرورة أن تكون هناك وسط الشباب أحلام وروحانيات مختلفة، وذكّر قداسته هنا بما قال بعض المشاركين في اللقاء عن سير الجميع وإن على دروب مختلفة، هكذا يجب أن يكون الأمر قال البابا، وذلك لأنه من الممكن أن تكون هناك مسارات شخصية وجماعية مختلفة ولكن عليها أن تقود كلها إلى الهدف ذاته، لقاء الرب. وتابع قداسته أن في الكنيسة هناك فسحة للجميع ولا يمكن لأحد ان يكون نسخة من الآخر، فوحدة الكنيسة ليست تجانسا بل هي تحقيق تناغم في التنوع. وتحدث البابا فرنسيس هنا عن المسيرة السينودسية، وذلك في إشارة إلى ما تطرق إليه بعض المشاركين، فقال إن هذه المسيرة يجب أن تكون عودة إلى الإنجيل ولا يمكن أن يكون من بين أولوياتها إحداث إصلاح “على الموضة”، بل الأولوية هي للتساؤل حول كيفية نقل الإنجيل في مجتمع لا يصغي إليه بعد أو ابتعد عن الإيمان. ودعا قداسته الجميع إلى طرح هذا السؤال على الذات.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى التأمل في الكلمة الثانية، الفرح، فقال إننا لا نتحدث هنا عن فرح يرتبط بشيء مؤقت أو عن اتباع نماذج الترفيه الاستهلاكية، بل نتحدث عن فرح أكبر، فرح يرافق الحياة ويدعمها وذلك أيضا في اللحظات المظلمة أو الأليمة. وهذه هبة تأتي من الأعلى، من الله، قال الأب الأقدس، إنه فرح القلوب الذي يحفزه الإنجيل، إنه الوعي بأننا وعلى طول الطريق لسنا بمفردنا، وبأن الله قريب حتى في أوضاع الفقر والخطيئة والألم، يعتني بنا ولا يسمح للموت بأن تكون له الكلمة الأخيرة. وأراد البابا فرنسيس التذكير هنا بما وصفها بقاعدة للتمييز كتبها يوزيف راتزنغر قبل أن يصبح البابا بندكتس الساس عشر حين ذكر أنه حيثما يغيب الفرح ويموت حس الفكاهة لا يوجد حتى الروح القدس، والعكس صحيح، فالفرح هو علامة للنعمة. وتابع البابا فرنسيس داعيا بالتالي الحضور إلى أن تُبرز عظاتهم واحتفالاتهم وخدمتهم فرح القلوب لأن هذا يثير التساؤل ويجذب البعيدين. وعاد الأب الأقدس مجددا إلى ما ذكر بعض المشاركين في اللقاء فأكد أن الفرح هو الطريق، وأضاف أنه حين تبدو الأمانة صعبة فعلينا اثبات أنها مسيرة نحو السعادة، وحين نرى إلى أين يقود الطريق نكون أكثر استعدادا لبدء المسيرة.
وفي حديثه عن الكلمة الثالثة، الرحمة، قال البابا فرنسيس إن الإنجيل الذي نقبله ونتقاسمه، نناله ونهبه يقودنا إلى الفرح وذلك لأنه يجعلنا نكتشف أن الله هو أب الرحمة الذي يتأثر من أجلنا. ودعا قداسته إلى أن نرسخ هذا في قلوبنا، ان الله لا ينزع عنا أبدا محبته لنا حتى إن ارتكبنا شيئا خطيرا. وواصل البابا أن هذا قد يبدو غير عادل أمام خبرة الشر، ولكن هذا التفكير هو ثمرة استخدامنا لمفهوم العدالة الأرضي، أي أن مَن يخطئ عليه دفع الثمن. وأضاف قداسة البابا أن عدالة الله هي أسمى، فمَن أخطأ هو مدعو إلى تصحيح أخطائه، ولكنه ولشفاء القلب هو في حاجة إلى محبة الله الرحومة. ودعا الأب الأقدس إلى عدم نسيان أن الله يغفر كل شيء، ويغفر دائما، وبرحمته هذه، واصل البابا فرنسيس، يجعلنا عادلين وذلك لأنه يهبنا قلبا جديدا، حياة جديدة. وأراد الأب الأقدس هنا، وانطلاقا من كلمات الحاضرين، التأكيد على أهمية الرحمة وتوجيه الشكر إلى من يعملون على تحويل مشاعر الغضب والألم إلى مساعدة وقرب وشفقة. وأشار البابا إلى أن الانتهاكات تسفر عن جراح ومعاناة قاسية ما يهدد مسيرة الإيمان أيضا، وأضاف أن هناك حاجة إلى الكثير من الرحمة كي لا تظل قلوبنا متحجرة أمام معاناة الضحايا وكي نجعلهم يشعرون بقربنا وتقديم المساعدة الممكنة لهم وكي نتعلم منهم أن نكون كنيسة تخدم الجميع. وأشار الأب الأقدس إلى أن جذور العنف تكمن في سوء استخدام السلطة، أي حين نستغل ما لدينا من مناصب لسحق الآخرين أو التلاعب بهم. ومن كلمات مَن تحدثوا خلال اللقاء عن مساعدة السجناء انطلق البابا فرنسيس مجددا ليؤكد أنه يمكن لنا جميعا أن نخطئ ولكن لا أحد يضل إلى الأبد. وأضاف أنه يتساءل في كل مرة يتوجه إلى سجن لماذا هم ولا أنا؟ وتابع أنه من الصحيح اتباع مسيرات العدالة الأرضية والمسيرات الإنسانية والنفسية والقضائية إلا أن العقوبة يجب أن تكون دواءً، أن تقود إلى الشفاء. وأراد البابا التشديد على ضرورة مساعدة الأشخاص على النهوض مجددا والعثور على طريق في الحياة وفي المجتمع، وأضاف أنه في حالة واحدة فقط يجوز لشخص أن ينظر إلى الآخرين من الأعلى، حين ينحني عليهم ليساعدهم على أن ينهضوا.
وفي ختام كلمته إلى الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين الذين التقاهم صباح اليوم السبت في كاتدرائية القلب المقدس في كوكلبرغ، وذلك في إطار زيارته الرسولية إلى بلجيكا، أراد البابا فرنسيس توجيه الشكر إلى الجميع، كما وذكَّر بصورة للرسام البلجيكي رينيه ماغريت بعنوان “فعل الإيمان” يصوِّر فيها بابا مغلقا من الداخل مثقوبا في مركزه ومفتوحا نحو السماء. وقال قداسته إن هذه الصورة تدعونا إلى التوجه إلى ما هو أبعد، إلى توجيه الأنظار إلى الأمام وإلى الأعلى، إلى عدم الانغلاق على الذات. وأضاف أن هذا رمز لكنيسة لا تغلق أبوابها ابدا، تقدم للجميع انفتاحا على اللانهائي، قادرة على النظر إلى ما هو أبعد، كنيسة تبشر وتعيش الفرح وتمارس الرحمة. ثم دعا الأب الأقدس الحاضرين إلى السير معا مع الروح القدس وإلى ممارسة الرحمة، وشدد هنا على أنه بدون الروح القدس لا يحدث شيء مسيحي، وأضاف أن هذا هو ما تُعَلمنا مريم العذراء، أمنا، وتضرع إليها كي توجه الجميع وتحرسهم. بارك البابا فرنسيس بعد ذلك الحضور سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.
الخميس من أسبوع البيان ليوسف
رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة 11 : 25 – 36 يا إخوَتِي، لا أُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْ…