ماذا بعد زيارة البابا لاون الرابع عشر؟

إن زيارة قداسة البابا لاون الرابع عشر إلى لبنان ليست حدثًا عابرًا، بل حجٌّ رسوليّ يحمل أنفاس الروح القدس إلى أرضٍ متعبة.
إنها زيارة راعٍ إلى قطيعه الجريح، ووقفةُ صلاةٍ وسط العاصفة، ننتظرها لتضمّد القلوب المتألّمة وتُجدّد فينا الشجاعة على الرجاء. واختيار البابا لوطنٍ يمرّ بأصعب الظروف هو علامة حيّة على الأبوّة الروحية الشاملة للكنيسة التي لا تنسى أبناءها مهما اشتدّت العواصف.
لكن، ماذا بعد هذه الزيارة المباركة؟
الثمرة الحقيقية لن تُقاس بعدد الخطابات ولا اللقاءات، بل بقدرتنا على استقبال “نعمة الزيارة” وتحويلها إلى قوّةٍ داخلية تُعيدنا إلى الإيمان والرجاء والصمود. فكلّ بركةٍ تُعطى لتُثمر، وكلّ كلمةٍ بابوية تُقال لتُترجم إلى حياةٍ جديدة.
سيُشدّد البابا لاون الرابع عشر على الجوهر الروحي للبنان، وعلى أن هذا الوطن، كما قال أسلافه، “أكثر من بلد، إنه رسالة”. رسالةُ تلاقيٍ وسلامٍ تُذكّر العالم بأنّ العيش معًا ليس تسويةً سياسية، بل شهادةُ إيمانٍ حيٍّ يفتح القلب للآخر المختلف. ومن قلب هذا اللقاء، سيُجدّد الحبر الأعظم دعوته إلى وحدة القلوب، لأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من مصالحة الإنسان مع ذاته، ومع الله، ومع أخيه الإنسان.
ستأتي كلمات البابا كبلسمٍ على جراح المسيحيين في الشرق، تذكّرهم بأنهم “جذور” الإيمان في هذه الأرض المقدّسة، وأن حضورهم ليس صدفةً بل رسالة. وستحمل هذه الكلمات نفحةَ رجاءٍ قوية لشبابٍ أنهكهم التعب واليأس، وستدعو الكنيسة إلى انخراطٍ أعمق في خدمة الإنسان، كلّ إنسان، دون تمييز، لأن المحبّة التي لا تعرف الحدود هي وجه المسيح الحيّ في هذا العالم.
ويزور البابا لبنان بصفته خادمَ خدّامِ الله، لا كزعيمٍ سياسي، بل كصوتٍ نبيٍّ يدعو إلى توبة القلوب وتجديد الضمائر. إنها دعوةٌ لكلّ مسؤولٍ ولكلّ مواطنٍ ليضع “الخير العام” فوق كلّ مصلحة، لأنّ كلَّ فسادٍ أو أنانيةٍ هو خيانةٌ لرسالة الكنيسة ولجراح الشعب التي تنتظر شفاءها بالمحبّة والعمل الصادق.
ستكون الزيارة أيضًا لحظة تأملٍ واعترافٍ بالوجع اللبناني، وتذكيرًا بأنّ الألم لا يُلغي الدعوة إلى القيامة. فكما خرج النور من قبر المسيح، سيخرج نورٌ جديدٌ من بين أنقاض الوطن. كلمات البابا ستُلهم مبادرات رحمةٍ وتضامن، وتفتح دروب الشفاء الاجتماعي والاقتصادي بروح السخاء والرجاء.
إنّ زيارة البابا لاون الرابع عشر ستؤكّد أنّ لبنان، رغم جراحه، مدعوّ إلى القيامة الروحية والوطنية. فالقوّة ليست في المال ولا في السياسة، بل في الرجاء الذي لا يُخيب. وكما يقول الكتاب المقدّس: “النور يشرق في الظلمة، والظلمة لم تدركه.” ومن هذا النور، سيتوجّه البابا بنداءٍ إلى حوارٍ صادقٍ، مسكونيٍّ ووطنيٍّ، لأنّ الحوار وحده هو الطريق إلى السلام، والكنيسة مدعوّة أن تكون جسرًا بين الجميع.
إنها هبةٌ من السماء، زيارةٌ تزرع الرجاء وتنعش الإيمان وتعيد للبنان وجهه الحقيقي: وطنُ الرسالة.
فلنستقبلها بقلوبٍ مفتوحة، ولنحوّل البركة إلى التزامٍ يوميٍّ بالمحبّة والوحدة والخدمة. هكذا فقط ينهض لبنان من جديد، شاهدًا على أنّ الرجاء أقوى من الموت، وأنّ الله لا يترك الذين يرفعون إليه أعينهم بثقةٍ وبساطةِ قلب.
الاباتي ادمون رزق
الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية
OMM
نشاط البطريرك الرّاعي لليوم الجمعة في بكركي
تيلي لوميار/ نورسات إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في الصّرح …
