يونيو 28, 2020

الراعي من الديمان: هذا ما كنّا نأمله من “اللّقاء الوطنيّ”

Bkerki Media

“إختارَ يَسُوعُ الإثنَي عَشَر، وأُرسِلوا ليُعلِنوا: لقد اقترب ملكوت السَّماوات”
(متى 10: 1 و 7).

1. إختارَ الرَّبُّ يسوع إثني عشر رسولاً، وأرسَلَهم لمتابعة رسالته الخلاصيّة باسمه وبشخصه. وقال لهم في موضعٍ آخر: “كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضًا” (يو 21:20). وقال : “من يقبلكم يقبلني” (متى 40:10)، مثلما هو قبل رسالته من الآب، لا من تلقاء نفسه (يو 5: 19 و 30). كذلك المرسَل لا يستطيع شيئًا من دون المسيح مرسِله الذي منه يأخذ مهمّة رسالته والسّلطان الالهي لإتمامها. نصلّي اليوم من أجل الأساقفة خلفاء الرّسل، ومن أجل معاونيهم الكهنة، كي يكونوا أوفياء لرسالتهم، وأمناء لإرادة المسيح الذي اختارهم وارسلهم. ونصلّي كي يرسل الله “رعاة وفق قلبه” كما وعد على لسان إرميا (إر 15:3).

2. يُسعِدُنا أن نحتفل اليوم بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة معكم، أيّها الحاضرون، ومع الإخوة والأخوات الذين يشاركوننا روحيًّا عبر محطّة تيلي لوميار – نورسات والفيسبوك، وسواها من وسائل الاتصال الاجتماعي. ويشارك معنا بحضورهم عددٌ من شبيبة العمل الرسوليّ في نيابة الجبّه البطريركيَّة الذين يتدرّبون على زراعة الأرض، بمبادرة من جمعية نادي لبنان الأخضر تحت شعار “أرضك كنزك”. يشارك في هذه المبادرة “المركز البطريركي للتنمية البشرية والتمكين”، في دير مار سركيس في ريفون، برئاسة عزيزنا المونسنيور توفيق بو هدير، الذي يتولَّى أيضًا مهمّة “منسّق مكتب راعوية الشبيبة” في الدائرة البطريركيّة. وتشارك أيضًا في المبادرة عينها جامعة القديس يوسف بيروت.

3. إختارهم الرَّبُّ يسوع بأسمائهم واحدًا واحدًا، بفعل محبّة خاصَّة من أجل إعلان إنجيله والشَّهادة لمحبَّته في المجتمع البشريّ. فشهدوا لمحبّته، وعاشوها أولاً فيما بينهم، حتّى اجتذبوا إليهم الوثنيين الذين كانوا يقولون عنهم: “أنظروا كم يحبون بعضهم بعضًا!” ثمّ تجاه جميع الناس. هذه هي رسالة الكنيسة بأساقفتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها وبمؤسساتها، وهي أيضًا رسالة جميع المسيحيين، في أي مكانٍ وجدوا، وبخاصّة في لبنان وهذا المشرق، حيث زرعَنا الله لنشهد للمحبّة الإلهيّة.

4. تقتضي منا المحبّة اليوم، ومن جميع المسيحيين، أكانوا في المجتمع أم في الدولة، أن نتحابّ حقًا، نابذين من قلوبنا الحقد والبغض والضغينة؛ وأن نتكاتف مع جميع مكوّنات مجتمعنا ودولتنا. فنوحّد جهودنا من أجل إنقاذ مجتمعنا من الجوع والعوز والحرمان الشديد بمبادرات إنسانيّة فردية وجماعية وعبر المؤسسات الاجتماعية الإنسانيّة، ومن أجل إنقاذ دولتنا من الإنهيار، محافظين على سلامة سياستها الضامنة نظامها الديمقراطي ونموّ اقتصادها الحرّ ووفرة ماليتها العامة، وإنماء المواطن والمجتمع.

5. هذا ما كنّا نأمله من “اللّقاء الوطنيّ” الذي عُقد في القصر الجمهوريّ في الخامس والعشرين من الجاري. لكنّه، بسبب عدم الإعداد له كما يلزم، زاد بكلّ أسف في الإنقسام السياسيّ الداخليّ المتسبب أصلاً بفقدان الثقة بجميع السياسيين والقيّمين على شؤون الدولة. فتسبّب من جديد بالتراجع الاقتصادي، وفلتان الدولار، ورفع عدد الفقراء والعائلات المعدمة. هذا فضلاً عن الصّدمة التي أصابت شبّاننا وشابّاتنا الذين يتظاهرون في ثورة إيجابية منذ حوالي تسعة أشهر، منتشرين على الطرقات وفي السّاحات العامّة، متحمّلين الجوع والعطش والبرد والحرّ. وكم تألّموا من المندسّين والمخرّبين ومن وراءهم، وقد اعتدوا على الأملاك العامّة والخاصّة، وشوّهوا وجه القضيّة التي من أجلها نشأت الانتفاضة – الثورة في 17 تشرين الاول الماضي.

6. ومع هذا كلّه ندعو شبابنا إلى الصمود بالوحدة والتضامن، فالكنيسة بجميع مؤسّساتها تقف إلى جانبهم بمبادرات اجتماعيّة وتربوية وغذائية. ونذكّرهم أنّنا بإيماننا الثابت نستطيع أن ننتصر وننقذ ذواتنا ووطننا ومستقبلنا على أرضه. كما ندعو أحبّاءنا في الإعلام المرئيّ والمكتوب والمسموع لأن يبثّوا بدورهم روح الصمود والثقة بالنفس، ويعزّزوا ثقافة البقاء الفاعل على أرض الوطن، والانتصار على تجربة اليأس والهجرة.

7. وإنّا، إذ نقدّر محاولات فخامة رئيس الجمهورية لمعالجة الأوضاع، نناشده التعويض عن غياب الشراكة الوطنية والتنوّع  السياسي في “لقاء بعبدا”، بالإعداد لمؤتمرٍ وطنيٍّ شامل، بالتنسيق مع دول صديقة، تمكّن لبنان من مواجهة التحديات، ومصالحة ذاته مع الأسرتين العربية والدولية، قبل فوات الأوان.

كما نناشد الحكومة، رئيسًا ووزراء، العمل على إستعادة الثقة الداخلية والخارجية الآخذة بالتراجع بكلّ أسف، والقيام سريعًا بإجراء الاصلاحات في الهيكليات والقطاعات التي باتت مطلوبة من الجميع. كما نناشدهم رسم سياسة الدولة العامّة عملاً بالدستور والروح الميثاقية والثوابت اللبنانية والمبادئ الوطنية. فكفانا انحيازًا وعزلة! كفانا هروبًا من القرارات العادلة والجريئة ومعالجة ما يُسمّى “بالنّقاط الخلافيّة”، لئلاّ تتمّ فينا المقولة المميتة: “من أخفى علّته مات فيها”! كفانا تعطيلاً للمسيرة نحو الأفضل! كفانا إفقارًا للدولة والشعب وقهرًا للأجيال الطالعة!

8. “أرسَلَ الرَّبُّ يسوع كنيسته المتمثّلة بالرّسل الإثني عشر ليُعلنوا ويَبنوا ملكوت الله” (راجع متى 10: 1و7). إنّه ملكوت المحبّة والرّحمة، ملكوت العدالة والسلام، ملكوت الحريّة كعطيّة سامية منحها الله للإنسان، وبخاصّة حريّة التعبير التي يتميّز بها لبنان في محيطه، وكرّسها الدستور، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وضع مقدّمته اللبنانيّ الدكتور شارل مالك، أثناء رئاسته لجمعيّة الأمم المتّحدة سنة 1948. لقد أسفنا جدًا لأن يصدر في الأمس حكمٌ قضائي مستغرَب يمنع شخصيّة ديبلوماسيّة تمثّل دولة عظمى من حقّ التعبير عن الرأي، “ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدّة سنة“، كما اسفنا واستغربنا ان يصدر في يوم عطلة وخلافًا للأصول القانونيّة، مشوِّهًا هكذا صورة القضاء اللبنانيّ، ومخالفًا للدستور، وناقضًا المعاهدات الدوليّة والاتفاقيات الديبلوماسية. فاقتضى الاستنكار وتوجب التصويب.

إنّ بناء ملكوت الله واجبٌ على كلّ مؤمن بالله، إلى أيّ دينٍ انتمى، بحكم إيمانه بالله. هذا ما من أجله نصلّي في صلاة الأبانا: “ليأتِ ملكوتك“، ما يعني اننا نلتزم ببناء ملكوتك يا الله على ارضنا. فءعندما نقوم بهذا الالتزام بإخلاص، نستحقّ أن نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

البطريركية المارونيّة

‫شاهد أيضًا‬

البابا فرنسيس: الرياضة مكان مميز للقاء بين الأشخاص والأخوّة بين الشعوب

موقع الفاتيكان نيوز وجه قداسة البابا فرنسيس أمس الخميس السادس عشر من أيار مايو رسالة إلى ا…