أكتوبر 12, 2025

بعد سبعة أيّام…المطران مالويان قديساً


إنّ المطران إغناطيوس مالويان، ذاك الذي مشى نحو الموت وابتسامته مرفوعة إلى السماء، سيُعلَن قدّيسًا على مذبح الكنيسة الجامعة.
إنّها لحظة لا تُقاس بالزمن، بل بالأبدية… لحظة يتقاطع فيها الألم مع المجد، ويذوب فيها الصليب في نور القيامة.

اليوم، بعد مئة وعشر سنوات، الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية برئاسة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان تستعد لتكريم هذا الطوباوي الشهيد، في حدثٍ كنسيّ يجمع الإيمان بالذاكرة، والرجاء بالتاريخ.

في عام 1915، حين اشتعلت نار الإبادة الأرمنية، لم يحمل سيفًا، بل صليبًا؛ لم يصرخ بالانتقام، بل غفر بدمه.
اقتيد مقيّدًا بين آلاف الأبرياء، ورأى الموت مقبلًا نحوه كعريسٍ منتظرٍ منذ الأزل، فقال بشجاعةٍ الأنبياء:
“أنا كاهن المسيح، ولستُ خائفًا من الذبح، لأنّي ذُبحتُ له منذ اليوم الذي وُلدتُ فيه.”
هناك، في صحراء ماردين، حين صمتت الأرض وارتفع البكاء، وُلدت شهادةٌ كتبتها السماء نفسها.
وفي تلك اللحظة، لم يسقط المطران، بل ارتفع؛
لم يُطفأ الإيمان، بل اشتعل.
ولم يمت الشعب، بل قام من تحت التراب ليقول: نحن أبناء القيامة، لا أبناء القبور.
اليوم، بعد قرنٍ وعشر سنوات من العذاب والصلاة، يأتي صوت مالويان!
لقد علّمنا أن الإيمان ليس أن نؤمن حين يكون الطريق سهلاً، بل أن نؤمن حين يُنكر العالم وجه الله.
علّمنا أن الغفران ليس ضعفًا، بل هو قمّة القوة، وأنّ من يموت حبًّا لا يُهزم أبدًا.
يا لها من سبعة أيّام مقدّسة تفصلنا عن يومٍ سيُعلن فيه البابا لاوُن الرَّابع عشر من الفاتيكان، أمام شعوب الأرض، أنّ الكنيسة الأرمنية لم تُمحَ، بل تزداد مجدًا بنور شهدائها.
سبعة أيّام قبل أن تُعلن السماء أنّ دماء الأبرياء لا تجفّ، وأنّ كلّ دمعة صامتة صارت بخورًا يصعد إلى عرش الله.
إنّ تقديس المطران مالويان هو تقديس لكلّ أمٍّ أرمنية دفنت ابنها دون قبر،
ولكلّ كاهنٍ صلّى على الرماد،
ولكلّ طفلٍ سار جائعًا في دروب الجلاء وهو يحمل صورة المسيح في قلبه الصغير.
في التاسع عشر من تشرين الأوّل،
لن تُعلن الكنيسة قداسة رجلٍ واحد،
بل قداسة أمةٍ صلّت وهي تُباد،
قداسة إيمانٍ لم يضعف رغم السكاكين والجلادين،
قداسة دمٍ صار نبيًّا يصرخ في وجه التاريخ:
“اقتُلوا الجسد إن شئتم، لكنّكم لن تقتلوا الإيمان، لأنّ الله الحيّ يسكن فينا!”
وهكذا، بعد سبعة أيّام،
سيُرفع وجه مالويان أمام مذابح الأرض كإعلانٍ خالدٍ أنّ الظلمة لا تنتصر،
وأنّ القيامة هي الكلمة الأخيرة في حوار الإنسان مع الألم.
سيتردّد صدى صوته في الكنائس والقلوب:
“من أحبّ الله حتى الدم صار قدّيسًا، ومن غفر لجلاده صار وجه الله على الأرض.”
في هذا اليوم، لن تبكي الكنيسة فرحاً فقط، بل ستُصلّي بدموعٍ من نور،
لأنّ القداسة ليست ذكرى، بل حياةٌ تبدأ حين يُسكب الإيمان حتى آخر نفس.
المطران إغناطيوس مالويان، شهيد الإبادة الأرمنية، صار قدّيس القيامة.

بقلم شربل بسطوري

‫شاهد أيضًا‬

البابا: حجاج الرجاء هو برنامج حياة، والرجاء هو المشاركة

فاتيكان نيوز في المقابلة العامة اليوبيلية البابا يذكِّر بأن “يسوع ينتظرنا ويُشركنا ف…