عوده للّبنانيّين: جاهروا بصوت العدالة والحرّيّة والكرامة في الانتخابات المقبلة
تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس- بيروت، حيث ألقى عظة بعد قراءة الإنجيل المقدّس جاء فيها:
“أحبّائي، وصلنا اليوم إلى منتصف رحلتنا نحو القيامة المجيدة. لذا، تشدّدنا كنيستنا المقدّسة بمثال الصّليب الكريم المحيي، الّذي ارتأت أن تعيّد للسّجود له في الأحد الثّالث من الصّوم الكبير المقدّس.
المؤمن الصّائم قد تواجهه مصاعب الحياة ومغرياتها، خصوصًا في زماننا الحاليّ الّذي تكثر فيه المواجهات مع قوى الشّرّ. إلّا أنّ المسيحيّ يتقوّى بصليب الرّبّ، الّذي به سمّرت الخطيئة، ومات الموت، وسبيت الجحيم، كما سمعنا في ترنيمة اليوم: “حطّمت بصليبك الموت وفتحت للّصّ الفردوس، وحوّلت نوح حاملات الطّيب، وأمرت رسلك أن يكرزوا، بأنّك قد قمت أيّها المسيح الإله، مانحًا العالم الرّحمة العظمى”. إذًا، الصّليب الّذي يحمل صفات الألم والموت، يخفي في طيّاته المعنى الحقيقيّ للقيامة البهيّة، إذ لا قيامة من دون ألم وموت. هذا الصّليب الّذي حوّل حزن حاملات الطّيب إلى فرح، وشدّد الرّسل في كرازتهم بالقيامة، الّتي هي صلب البشارة المسيحيّة، هو نفسه سيشدّد الصّائم الّذي ربّما خارت قواه بسبب قلّة الطّعام المترافقة مع الهموم المعيشيّة الإراديّة وغير الإراديّة.
عندما نشاهد المسيح المصلوب مرفوعًا أمامنا اليوم، لا نفكّر بالموت، بل بالقيامة البازغة من ظلمة القبر، فيصبح الصّليب نصيرنا وناصرنا، لذا نهتف نحو الرّبّ قائلين: “خلّص يا ربّ شعبك وبارك ميراثك، وامنح عبيدك المؤمنين الغلبة على الشّرّير، واحفظ بقوّة صليبك، جميع المختصّين بك”.
الشّرّير، الّذي جرّب الرّبّ يسوع لمّا صام أربعين يومًا وأربعين ليلةً، مستخدمًا الجوع، لن يألو جهدًا من أن يجرّب إخوة يسوع الصّغار بالتّجربة ذاتها، لكنّ كنيستنا المقدّسة تذكّرنا دومًا بالتّشبّه بالسّيّد الّذي قهر الشّيطان على “الخشبة”، مسمّيةً الصّليب “جرح الشّياطين” و”ثبات المؤمنين”. فإذا ثبتنا في وجه تجارب إبليس وجنود شرّه، يصبح الصّليب بالنّسبة إلينا “العود المحيي” عوضًا عن العود الّذي ذاقه آدم قديمًا في الفردوس فتعرّى بسببه.
لقد سمعنا في إنجيل اليوم قول الرّبّ: “لأنّ من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين”. إنّ والدة الإله، الّتي عيّدنا لبشارتها قبل يومين، هي أبرز مثال يمكن للمسيحيّ أن يقتدي به. عندما بشّرها رئيس الملائكة جبرائيل، لم تحسب العذراء مريم حسابًا لأيّ كلام أرضيّ، خصوصًا أنّها لم تكن متزوّجة، وستحبل، وهذا كان عقابه الرّجم حتّى الموت. لم تفكّر مريم بالخجل بكلمة الرّبّ، الّتي اقتبلتها من فم جبرائيل بطاعة كلّيّة، فأصبحت أمًّا للكلمة بحال تفوق الوصف والعقل. قبولها بتلك البشارة كان سببًا لأن “يجوز سيف” في قلبها، على حسب ما تنبّأ لها سمعان الشّيخ، عندما أدخلت إبنها الرّبّ إلى الهيكل في يومه الأربعين. لم ترفض الألم المرافق لقبولها الكلمة، لم تضعف، ولم تستح، لهذا استحقّت أن تصبح “أكرم من الشّيروبيم، وأرفع مجدًا بغير قياس من السّيرافيم”، وتمّ بها قول داود النّبيّ: “قامت الملكة عن يمينك مزيّنةً، وموشّحةً بثوب مذهّب” (مز 45: 9). هكذا، كلّ من لا يستحي بالرّبّ وبكلامه، يمجّده الرّبّ، وما أكثر المواقف الّتي قد تؤدّي بإنسان اليوم إلى نكران الرّبّ وكلامه، والسّعي نحو مصالح الأنا ومجدها! وما أقلّ البشر الّذين يفضّلون ألم الكلمة على مجد العالم. من هنا نفهم قول الرّبّ: “إنّ الحصاد كثير، لكنّ الفعلة قليلون” (لو 10: 2).
كثيرون يظنّون أنّ كنيستنا لا تحتوي على سرّ التّوبة والاعتراف، لأنّ البشر يفضّلون الجبن والخبث على الاعتراف بخطاياهم. لا يخجلون من القيام بأعمال يندى لها الجبين، أو قد تسيء إلى وطنهم أو إخوتهم في الإنسانية، لكنّهم يستحون من الاعتراف بها ومواجهة أنفسهم. يضعفون أمام تجارب الشّيطان، ويخجلون من طلب الغفران. لو خجل بطرس من الاعتراف بخطيئته لما أصبح إيمانه أساسًا صلبًا لبناء الكنيسة، ولكانت نهايته مثل يهوذا المنتحر.
والدة الإله حملت صليب الألم بصمت وتواضع. هكذا تفعل جميع الأمّهات اللّواتي حلّ عيدهنّ بداية الأسبوع الماضي مع انطلاق فصل الرّبيع. فكما “أزهر عود الصّليب كما نسمع في تراتيلنا، كذلك تزهر آلام الأمّهات فرحًا عندما يشاهدن فلذات أكبادهنّ أناسًا محترمين وأسسًا يبنى عليها مجتمع سليم لا فساد ينخره. فأمّ من مات دفاعًا عن وطنه وسيادته وحرّيّة أبنائه وكرامتهم هي أولى من يزهر ألمها عندما تعاين أنّ رحيل ابنها لم يكن عبثًا، وأنّه أسّس لقيام دولة عادلة، تحترم أبناءها وتحتضنهم، ولا تبتكر كلّ يوم ما ينغّص عليهم حياتهم ويصعّبها، ويدفعهم دفعًا نحو اليأس أو الرّحيل. كم من أمّ، بكت ولدها الرّاحل في 4 آب، سيهدأ روعها، عندما ستشاهد العدالة محقّقةً، والتّغيير حاصلًا في بلد لطالما أبى مسؤولوه التّغيير، خشيةً على عروشهم وحصصهم ومصالحهم ومجدهم الأرضيّ؟ فمن أجل كلّ دمعة أمّ انهمرت بسبب طبقة فاسدة عاثت في الوطن خرابًا، ومن أجل كلّ عائلة أصيبت أو اقتلعت من بيتها الّذي تهدّم، ومن أجل كلّ إنسان أصيب في جسده أو فقد وظيفته، على كلّ لبنانيّ أن يجاهر بصوت العدالة والحرّيّة والكرامة في الانتخابات المقبلة، وأن يساهم في إيصال ممثّلين له يحسنون تمثيله ولا يستغلّون ثقته. أمّا من يتقاعس عن القيام بواجبه، ومن يعتبر يوم الانتخابات يوم عطلة أو يوم نزهة، أو من لا يؤمن أنّ صوته فاعل، فهو يسيء إلى نفسه أوّلاً، وإلى أولاده الّذين لن يتمكّنوا من العيش في بلد تسوده الفوضى والفساد ويفتقر إلى العدالة والمساواة بين المواطنين، ولا مكان فيه لأدنى مقوّمات الحياة الكريمة. من لا يقوم بواجبه في انتخاب طبقة جديدة واعية نزيهة، تعمل وفق برنامج واضح على إنقاذ البلد، يكون مشاركًا في استمرار انهيار البلد وغياب العدالة واستمرار الظّلمة والفساد وسوء الإدارة، وتساقط دموع كلّ أمّ فقدت ثمرة بطنها إمّا تفجيرًا أو تهجيرًا. ألا يكفي ما تعانيه الأمّهات من آلام مخاض وتربية وسهر ليال في سبيل تأمين حياة فضلى لأبنائها، فيأتي من يسلبها أثمن ما تعيش من أجله في طرفة عين، أو من يسلب عائلتها هناء العيش والأمان والاستقرار؟
أحبّائي، يأتي السّجود للصّليب اليوم ليذكّرنا بالأعباء الثّقيلة الّتي وضعها مسؤولونا على كاهل الشّعب، فجعلوه يهوي في جحيم العوز واليأس. لكنّ شعبنا ليس من هواة الموت، بل من أبناء القيامة، ولهذا سينتصب واقفًا من جديد، قائمًا من كبوته، صامدًا في وجه تجارب إبليس وجنوده المرئيّين وغير المرئيّين، إذا ما وعى واجباته الوطنيّة واستعمل حقّه في إبداء رأيه.
دعوتنا اليوم، أن نتقوّى بصليب ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، وأن نؤمن بالّذي صلب ومات ثمّ قام، وأقامنا معه من ظلمة الجحيم. فإذا كانت الجحيم لم تقو “على ضبط البشر في قبضتها” كما نقول في صلواتنا، كذلك لن تقو الجحيم الّتي أوصلونا إليها في أن تطبق على أعناق من بقي في هذا البلد، يصارع الفساد والظّلم والطّغيان والجشع إلى المال والسّلطة والمراكز والمجد الأرضيّ. لذا، “تشدّدوا ولتقو قلوبكم يا جميع المتوكّلين على الرّبّ” (مز 31: 24)، آمين.”
أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة
أبو كسم تعليقاً على فيديو كاهن مزرعة يشوع: السلاح الحقيقي للكنيسة هو الصلاة اوضح رئيس المر…