‫‫‫‏‫17 دقيقة مضت‬

نفّاع: نرى في يوسف بك كرم درسًا لكلّ مسؤول ولكلّ مواطن صالح في هذا البلد الجريح

تيلي لوميار/ نورسات

رفعت الأبرشيّة البطريركيّة المارونيّة نيابة إهدن- زغرتا ومؤسسة خادم اللّه يوسف بك كرم، الشّكر لله على إعلان مجمع دعاوى القدّيسين قبول فتح دعوى تطويب خادم اللّه يوسف بك كرم، خلال قدّاس ترأّسه النّائب البطريركيّ في النّيابة المطران جوزيف نفّاع في كاتدرائيّة مار يوحنّا المعمدان، بمشاركة الخورأسقف اسطفان فرنجية وطالب دعوى تقديس خادم الله يوسف بك كرم الأب ماجد الانطونيّ ولفيف من كهنة الرّعيّة وشمامسة، وبحضور عدد من الفعاليّات وحشد كبير من المؤمنين.

خلال القدّاس تلا الأب ماجد الأنطونيّ الرّسالة الواردة من الفاتيكان وللبطريرك بشارة بطرس الرّاعي، والّتي تعلن فيه دائرة دعاوى القدّيسين أنّه “لا يوجد من قبل الكرسيّ الرّسوليّ أيّ شيء يمنع بأن تبدأ دعوى تطويب وقداسة خادم اللّٰه المذكور”، مع التزام “القواعد الواجب اتّباعها في التّحقيقات الّتي يقوم بها أساقفة الأبرشيّات لصالح دعاوى القدّيسين”.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى تفّاع عظة استهلّه متسائلًا: “ما عسى هذا الصّبيّ أن يكون؟”، وقال بحسب إعلام الأبرشيّة: “يعرض لنا هذا التّساؤل، الدّور الكبير الّذي سوف يلعبه يوحنّا المعمدان في تحضيره للآتي باسم الرّبّ، الّذي يحمل خطايا العالم. ومن خلال دعوة المعمدان، يُفهنا الرّبّ يسوع أنّ كلّ إنسان منّا، ومنذ لحظة ولادته، يختاره الله لرسالة قداسة مميّزة، تحقّق الوزنات الّتي وضعها الخالق فيه.

يوم أبصر يوسف بطرس كرم النّور، انطبق عليه فعلًا هذا السّؤال: “ما عسى هذا الصّبيّ أن يكون؟” ولقد قادته العناية الإلهيّة، منذ نعومة أظفاره، إلى تحقيق مشروع مميّز جدًّا: أن يعمل المسيحيّ الملتزم في السّياسة، الّتي أطلق عليها المجمع الفاتيكانيّ الثّاني تعريفًا بقوله: السّياسة هي فنّ شريف، تسعى إلى خير الشّعوب. وكم ضحّى يوسف كرم بالغالي والنّفيس من أجل مصلحة كلّ إنسان، وضعته العناية الإلهيّة تحت رعايته. إلى أن ضحّى بنفسه، متقبّلًا النّفي، وذلك حقنًا لدماء أبناء هذا الوطن.

لقد أدرك خادم الله يوسف بك كرم عمق دعوته ومعناها، فتبع يسوع بكلّ جدّيّة وتواضع، وتخلّى عن هذه الدّنيا ومباهجها الآنيّة والعابرة، ليكون في العالم الّذي اختاره بكلّ حرّيّة وقناعة، أيّ في عالم الله.

إنّ الحديث عن تقوى خادم الله يوسف بك كرم ليس بالأمر الجديد. لقد عاش حياته بالتّقوى. همُّه الوحيد هو القدّاس الّذي كان يشارك فيه يوميًّا، وهمُّه الآخر هو تحقيق مشيئة الله في حياته.

ففي مرحلة الطّفولة والشّباب، ظهرت تقوى يوسف كرم بشغفه في الصّلاة والإصغاء والجدّيّة في التّعامل مع الله. فكان التّلميذ المجتهد لآباء الرّسالة اللّعازاريّة في إهدن، تلاميذ القدّيس منصور، وعلى رأسهم الأب فرنسيس أمايا الّذي تولّى تنشئته على اكتشاف أعماق روحه، وعلَّمه الصّلاة، ودرّبه على عيش الفضائل الإنسانيّة والإلهيّة.

وقد ظهرت هذه الحقيقة من خلال خطاب الأب يوسف علوان اللّعازاريّ، الّذي ألقاه في 11 أيلول سنة 1932، في احتفال إزاحة السّتار عن تمثال كرم، أمام باحة كنيسة مار جرجس إهدن، والّذي وصف كرم “بالمسيحيّ الكبير”، وتلميذ الرّهبانيّة اللّعازاريّة وصديقِها.

ويخبر الأب علوان عن مدى حبّ كرم للكنيسة ومدى وعيه وغيرته على كلمة الله، حين وقف أمام المرض العضال الّذي كاد أن يودي بحياة الأب أنطون ريكاش، أحد معاوني الأب فرنسيس أمايا، فوقف الصّبيّ يوسف أمام الله قائلًا: “إنّ حياتي ليست ضروريّة للكنيسة، ولكن حياة هذا الكاهن ضروريّةٌ للنّفوس المفدّات بدمك الكريم، فأعفُ عنه، وخذني مكانه”.

يتابع الأب علوان شهادته الّتي أخذها من سجلّات الرّهبنة اللّعازاريّة قائلًا: “من تلك السّاعة، تعافى الأب أنطون، وعاش بعدها أربعًا وأربعين سنة، يخدم الكنيسة”.

لقد عبّر كرم عن رغبته في ترك الدّنيا والتّكرّس لخدمة الله في الكهنوت. لكنّ صديقه الخوري يوسف الدّبس، المطران الدّبس لاحقًا، نصحه بخدمة الله في العالم.

وأثناء تولّيه مشيخةَ إهدن، أو أثناء تولّيه منصب القائمقام، أو أثناء معارضته لنظام المتصرّفيّة، وجهاده الطّويل في خدمة العدالة والدّفاع عن المظلوم والمقهور، ومعاركه الدّفاعيّة الّتي قادها في وجه السّلطنة العثمانيّة، الّتي أرهقت النّاس بضرائبها وفتنها، بقي قلب كرم متّقدًا بحبّ الله، وبحبّ أمّه مريم، رفيقتِه الدّائمة وشفيعتِه. والّتي أسّس لها أخويّة الحبل بلا دنس في زغرتا سنة 1854.

وفي سنواته الأخيرة، أيّ من سنة 1884 وحتّى تاريخ وفاته، عاش كرم هذه المرحلة في المنفى وفق ما كان يحلم به: أيّ بالسّعي الدّائم إلى الاتّحاد بالله.

فأسّس في منفاه في إيطاليا، أخويّة مار يوسف. وعاش مع أعضائها عيشة النّسّاك الزّاهدين. ولذلك رقد بالرّبّ بعطر القداسة.

لقد عرفنا دومًا يوسف كرم كبطل وطنيّ. إلّا أنّنا اليوم ننظر إليه بعين مختلفة، ونرى فيه مثالًا في القداسة، لا بل نرى فيه درسًا لكلّ مسؤول، ولكلّ مواطن صالح، في هذا البلد الجريح.

نحن في الخطوات الأولى من مسيرة طويلة نحو تطويب ابن إهدن البارّ. سوف نترافق خلالها من أجل اكتشف هذا الوجه المميّز بالقداسة، وجه خادم الله يوسف كرم. علينا أن نتعلّم خلالها الكثير، وأن نتمثّل بفضائله الّتي ذكرنا بعضًا منها اليوم. وأدعوكم أن نرافق هذه المغامرة الإلهيّة بالكثير من الصّلاة ومن طلب شفاعة خادم الله، أكثر من اهتمامنا بالاحتفالات الخارجيّة.

أتوجّه بالشّكر الكبير إلى أبناء وبنات رعيتنا إهدن- زغرتا على كرمهم المييّز في دعم العمل الهائل الّذي نقوم به للوصول إلى هذا اليوم المبارك. وأخصّ بالشّكر فريق عمل جمع تراث يوسف بك كرم ومؤسّسة خادم الله يوسف بك كرم البطريركيّة، الّتي تحمل على عاتقها مسؤوليّة العمل على تحقيق كلّ الخطوات المطلوبة من أجل إتمام الملفّات الكثيرة المطلوبة من قبل الكرسيّ الرّسوليّ. وإسمحوا لي أن أوجّه عاطفة الامتنان لحضرة البروفيسور أميل يعقوب، الّذي بات بحقّ “ناسك يوسف بك كرم”، يعمل على ملفّه 15 ساعة يوميًّا. كما أشكر كهنة الرّعيّة، مع طالب الدّعوى حضرة الأب ماجد مارون الأنطونيّ، وسائر المعاونين والمحسنين. وأختم طبعًا، بشكر صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي على دعمه المنقطع النّظير. وشكر صاحب النّيافة الكاردينال مارشيللو سيميراروي، عميد مجمع دعاوى القدّيسين، الّذي سمح لنا بفتح الدّعوى.

فلتكن هذه الخطوة دعوة لنا جميعًا للعودة إلى جذورنا وأصول إيماننا وللتّمثّل بخادم الله، ابن بلدتنا، يوسف بك كرم. آمين”.

‫شاهد أيضًا‬

الرّاعي من بعبدا: لم يعد الوقت مناسبًا للحرب… كفانا!

تيلي لوميار/ نورسات زار البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي رئيس الجمهوري…