ساكو لبنات مريم الكلدانيّات: إخلاصكنّ اليوميّ الخفيّ والصّامت يحمل بذور التّجديد المطلوب ويجلب الدّعوات!
تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة الرّياضة الرّوحيّة الدّوريّة لراهبات بنات مريم الكلدانيّات، وجّه البطريرك الكلدانيّ مار لويس روفائيل ساكو مجموعة من الخطوات لتعميق الدّعوة وإنمائها في إرشاد روحيّ قال فيها نقلاً عن إعلام البطريركيّة:
“أودّ أن أعبّر عن محبّتي وتشجيعي لكُنَّ، خصوصًا للّاتي يواجهن بعضَ الصّعوبات في مسيرتهنّ!
الدّعوة هِبة مجّانيّة من الله، يدعونا فيها لنعيش تكريسنا، وفق محبته ورحمته. علينا أن نشكره عليها دومًا، وأن نكون خُدّامًا أمناء له.
سؤالي لكُنّ: هل أنتُنَّ مقتنعاتٌ بدعوتكنَّ؟ هل تأخذنَّها على محمل الجِدّ كدعوة فريدة من نوعها؟ هل تدركنَ تمامًا أنّها ترسم تاريخكنّ وأبديّتكنّ؟
إذا كان ذلك صحيحًا، فالرّبّ لن يدعُكنَّ وحدكنَّ. إنّه سوف يدعم الرّاهبة عندما تكون واعية بدعوتها ومُحِبّة لها وصادقة ومستقيمة في حياتها.
نشكر الله أنّه لا يزال هناك راهبات بديعات مقتنعات بدعوتهنَّ، ولديهنَّ العزم والشّجاعة لاتّباع المسيح إلى النّهاية مهما كان الثّمن، كما كنّا قد وعدنَ يوم تكريسِهنَّ.
مرّات، أقف مندهشًا أمام فرح راهبة بتكريسها، أشاهد السّلام يتجلَّى على وجهها. عقلها مستقرّ، وقدرتها على التّواصل مع أخواتها قويّة، مِمَّا يخلق شعورًا بالارتياح عند الكلّ. وعلى العكس من ذلك عندما توجد حالة من الإساءة، فنرى التّأثّر على الجميع!
الدّعوة: الحياة لي هي المسيح (فيلبّي 1/21)
الدّعوة سرٌّ داخليٌّ خفيٌّ. إنجذابٌ إلى المسيح، واتباعٌ حرٌّ وواعٍ وبفرح، وسعي للتَّلمذة له بصدق لامتلاء القلب. وهذا يغيّر بشكل عميق الحياة كلّها، لأنّ من تُحبُّه يعيش فيك، في وجدانك. أليس إلى هذا يشير يسوع عندما يقول: “أنا والآب واحد” (يوحنّا 10/30).
هذا الاختيار هو بمثابة جوهرة نادرة لا أثمن منها في الدّنيا، وجدها من يبتغي الرّهبنة، فيتخلّى عن كلِّ شيء بحماسةٍ لاقتنائها (متّى 13/44). هذه الجوهرة هي المسيح، هو أرض ميعاد الرّاهب/بة. هذا ما ينبغي أن يسعى الرّاهب والرّاهبة لتجسيده في سلوكهما اليوميّ بثقة. إذًا ما يعيشُه الرّاهب أو الرّاهبة هو “عشق إلهيّ” للتّوجّه كلّيّا إلى المسيح في عيش نذور الفقر والطّاعة والعفّة بأمانة”: أترك كلَّ شيء، تعال، اتبعني!”. الرّاهبة تتبع يسوع وتوجّه نظره نحوه باستمرار، وتعمل باسمه.
إنّها بداية مسيرة عهدٍ “نعم- هاءَنذا” الّتي ينبغي أن تكون حاضرة دومًا لدى الرّاهبة وعليها أن تكرّرها صباح كلّ يوم لكي تحيا منطق تكريسها بقناعة راسخة!
أزمة الدّعوات
إنّ أزمة الدّعوات الّتي تمرّ بها أديرتنا ومعاهدنا الكهنوتيّة اليوم ينبغي أن تكون حافزًا للتّفكير والمراجعة والصّلاة.
لا ينبغي أن نخاف من الحقيقة، بل من الضّروريّ أن نواجه الحقيقة بشجاعة ونقيِّمها. لقد واجهت الرّهبانيّات على مرّ العصور صعوبات وتحدّيات، لكن تمّ تخطّيها من خلال العودة إلى عيش الإنجيل، لأنّ إذا لا يُغيّر الإنجيل قلوبَنا، فلن تتغيّر أوضاعُنا. قداسة هي قداستنا.
هو يمنحنا النّعمة والنّور والقدرة على الاستمرار بثقة. إخلاصُكنَّ اليوميّ الخفيّ والصّامت يحمل بذور التّجديد المطلوب ويجلب الدّعوات!
ضرورة الصّلاة
في كثير من الأحيان نرى يسوع في الإنجيل، يذهب إلى البرّيّة أو يصعد الجبل بمفرده أو مع تلاميذه ليُصلّي ويتأمّل، لأنّ الصّلاة مركزيّة في حياته. الصّلاة ضروريّة في حياة الرّاهبة ليكون وجودها خصبًا. على من نتَّكل إذا لم نصلّ إلى الله؟ كيف تصلّين وبأيّة روحيّة؟
مسيرة الرّاهبة مطبوعة بالصّلاة، لأنّ الإيمان يقود إلى الصّلاة. من لا يصلّي لا يفهم الإيمان. الصّلاة، لا تنفصل عن الحبّ، ومن يعرف معنى هذا الحبّ، هو وحده قادرٌ أن يصلّي لا بشفتيه فحسب، بل بكلِّ كيانه. الصّلاة تعني أنّ الله حاضرٌ في حياتنا. هل تشعرين بذلك عندما تصلّين لوحدك أو مع الآخرين؟
نصلّي لأنّ الصّلاة هي في جوهر إيماننا، ولأنّها الفعل الأكثر تلقائيّةً للتّعبير عن حبّنا وإعجابنا، وشكرِنا وسجودنا، خصوصًا عندما نُدرك أنّنا مثل طفل لا يقدر أن يعيش لوحدِه. الصّلاة تعكس حضور الله، علّة وجودنا ونسمة حياتنا كما جاء في صلاة الصّباح والمساء (الطّبعة العربيّة ص 151). من خلال مثالنا يكتشف الآخرون المسيح!
الصّلاة تدفعنا إلى أبعد، إلى تجاوز ما يفصل المرئيّ عن اللّامرئيّ وتحقيق التّناغم بين الباطنيّ والخارجيّ. يقول باباي الكبير (+ 628): “نكتشف الله ونَلِج الى سرِّه من خلال الصّلاة، والتّضرُّع، ونقاوة القلب” (الاتّحاد 7/6).
هناك أشكال مختلفة للصّلاة: الصّلاة الطّقسيّة اللّيتورجيّة وصلاة القلب، والصّلاة التّلقائيّة، والصّلاة الدّائمة، أيّ ترديد اسم الله أو اسم يسوع من دون انقطاع على مثال آباء الصّحراء (مثال السّائح الرّوسيّ على درب الرّبّ!)، عملاً بقول الإنجيل: “صلوا كلّ حينٍ ولا تملّوا” (لوقا 1/18)، والصّلاة أيضًا مع الكتاب المقدّس، وهو كتاب صلاة أيضًا (سِفر المزامير).
حياة الجماعة!
شَكَّلَ المسيح جماعةً مع الاثني عشر. لا يستطيع الرّاهب أو الرّاهبة أن يعيش بمفرده! سيكون في خطر العزلة والتّفكير بنفسه. لذا من الضّروريّ إيجاد طريقة ليحيا فيها حياة جماعيّة ويشعر أنّه في عائلة.
في حياة الجماعة يجب أن يعمل كلّ فرد وفقًا لمهمّته. وهذا يتطلّب قدرًا كبيرًا من الوعي والتّنازل والتّواضع (العمل على تحسين الطّبع والتّمتّع بصفات إنسانيّة حقّة). على كلّ واحد أن يشعر أنّه محبوب ومقدَّر وتُحترَم المواهب (هذا بإمكانه أن يخلق حالة من الحيويّة والتّنوّع في الدّير ويغدو ورشة عمل)… على الجماعة أن تخلق مناسبات فرح: عيد ميلاد إحدى الرّاهبات أو ذكرى نذور.. أو شفيع…
الحياة الجماعيّة (جوٌّ عائليّ) هي مصدر تعزية وقوّة للارتقاء معًا نحو الله. الجماعة هي بمثابة عائلة واحدة اسمها الرّهبانيّة الفلانيّة (بنات مريم الكلدانيّات، بالنّسبة إليكنّ). هم فيها أخوات متلاصقات ومُحِبّات. إنّها واحة الرّبّ المُخضَرّة والمُزهرة.
الإنتباه إلى مشاكل الهاتف الخلويّ ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، قد تقتل العلاقة.. وتشوِّش جوّ الأخوة!
لتعميق الدّعوة وإنمائها ضروريّ القيام بالخطوات الآتية :
• صلاة .. صمت
• فحص ضمير يوميّ في نور الرّوح
• قراءة الكتاب المقدّس، قراءة تأمّليّة.
• إستشارة الآخرين وخصوصًا المرشد!
إذا دعاكِ المسيح، فسوف يُعطيكِ الوسائل لاتّباعه حقًّا. حاولي الاقتداء به.”
الحكمة والعدالة في الحياة المسيحية: أهمية الصلاة في اتخاذ قرارات حكيمة وعادلة
الحكمة والعدالة في الحياة المسيحية: أهمية الصلاة في اتخاذ قرارات حكيمة وعادلة ميشال حايك ت…