‫‫‫‏‫6 أيام مضت‬

العبسيّ: البشارة تذكّرنا بأنّ الفرح هو غاية الصّوم وليس الحزن

العبسيّ: البشارة تذكّرنا بأنّ الفرح هو غاية الصّوم وليس الحزن

تيلي لوميار/ نورسات

من كاتدرائيّة سيّد النّياح- حارة الزّيتون، وفي عيد البشارة، وخلال احتفاله بالقدّاس الإلهيّ، دعا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ المؤمنين إلى الفرح في زمن الصّوم، لأنّ غاية هذا الزّمن ليست الحزن.

وللمناسبة، تأمّل العبسيّ بعيد بشارة مريم العذراء، وقال في عظته بحسب إعلام البطريركيّة:

عيد البشارة

“إنّ حدث البشارة، بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء، الّذي نحتفل به اليوم، قد ورد ذكره في إنجيل لوقا (٣٨-٢٦ :١). ومن قراءة الإنجيل نرى أنّ شخصين أساسيّين شاركا في هذا الحدث: مريم والملاك جبرائيل.

٠١- مريم العذراء

١-١-  مريم عذراء

أوّل ما يخبرنا به الإنجيل عن مريم هو أنّها كانت “عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف”. فالتّعليم الأوّل الّذي نستطيع أن نستنتجه من الإنجيل هو أنّ مريم عذراء، أو بتول. ويعلّمنا التّقليد الكنسيّ، وتعلّمنا الكنيسة أنّ مريم بقيت عذراء كلّ أيّام حياتها ولو أنّها عاشت مع خطّيبها أو رجلها يوسف. وعبثًا يحاول البعض أن ينكروا بتوليّة مريم، إذ كيف تستطيع من استولى عليها روح اللّٰه وكانت ممتلئة نعمة أن تكون لغيره، وهل يعقل أن يكون اللّٰه قد استخدم مريم لولادة يسوع فقط ثمّ تركها وشأنها تعيش حياتها كما تشاء، أم أنّه اختارها لتلعب دورًا أساسيَّا في حياة الكنيسة وحياة المؤمنين، دورًا أكبر من أن تكون امرأة عاديّة لرجل عاديّ؟ إنّ مريم، كما تعلّمنا الكنيسة معتمدة على الإنجيل، هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة.

١-٢-  مريم ممتلئة نعمة

وإنّ ما يقوله الإنجيل ثانيًا عن الفتاة مريم هو أنّها “ممتلئة نعمة”، أيّ إنّه لم يكن فيها البتّة أثر للشّرّ أو الخطيئة أو ما ينتج عنهما. وقد قال الإنجيليّ يوحنّا عن يسوع المسيح ابن الآب الوحيد إنّه “مملوء نعمة وحقًّا”. وإنّ النّعمة في العهد الجديد تعني حياة اللّٰه وتعني أيضًا يسوع المسيح نفسه كما يقول بولس الرّسول: “لقد ظهرت نعمة اللّٰه المخلّصة جميع النّاس”. فحين نقول إنّ مريم العذراء هي ممتلئة نعمة فذلك يعني أنّها ممتلئة مثل يسوع من حياة الله وممتلئة أيضًا من يسوع المسيح نفسه، فمن غير الممكن ولا المعقول بالتّالي أن تكون فيها خطيئة أو أن يكون فيها شرّ.

١-٣-  مريم الرّبّ معها

ثمّ إن الفتاة مريم لم تكن يومًا وحدها بل كان اللّٰه على الدّوام مرافقًا لها منذ أن وُلِدت إلى أن انتقلت إلى السّماء. لم يترك اللّٰه تعالى مريم ولا لحظة واحدة من حياتها بل كان دومًا إلى جنبها يرشدها لكي تقوم بالرّسالة المقدّسة الّتي أناطها بها. ما كانت مريم قادرة بقواها الذّاتيّة البشرية الحضّ أن تُتمّ الرّسالة بل كانت تحتاج إلى معونة الله، إلى نعمة الله، وهذه النّعمة ذاتها هي الّتي كانت تملؤها.

١-٤-  مريم محظيّة اللّٰه

إلى كلّ ذلك كانت الفتاة مريم محظيّة الله: “لقد نلتِ حظوة عند الله”. هذا يعني أنّ اللّٰه قد اختار الفتاة مريم وميّزها عن سائر النّساء وعن سائر البشر (يتكلّم القرآن عن هذا التّمييز بوضوح). لم يميّزها ببشريّتها، أعني قد لا تكون مريم كانت أكثر من غيرها صحّة أو ذكاء أو قوّة أو جمالًا، بل ميّزها بأنّه جعل منها أمًّا ليسوع، وبأنّه ملأها نعمة وبأنّه أعطاها دورًا ومكانة فريدين في الكنيسة.

١-٥-  مريم أمّ يسوع

إنّ كلّ ما ذكرناه عن الفتاة مريم، من أنّها عذراء ممتلئة نعمة معها الرّبّ ومحظيّة عند الله، كان من أجل أن تكون مريم أمَّا ليسوع ابن الله: “ها أنتِ تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع”، “ستلد ابنًا فتسمّيه يسوع” (متّى ٢١ :١). إنّ أمومة مريم ليسوع ابن اللّٰه هي الهدف من كلّ ما حصلت عليه وامتازت به من نعم. إنّ بتوليّة مريم وامتلاءها من النّعمة وقربها من اللّٰه وحظوتها عنده كانت لها كلِّها غاية واحدة هي أن تصير الفتاة مريم أمّ يسوع وأمّ الله.

٠٢ – الملاك جبرائيل

هذا ما يقوله الإنجيل عن الفتاة مريم، فماذا يقول عن الملاك جبرائيل؟ في الواقع لا يمثّل الملاك جبرائيل نفسَه في حدث البشارة بل إنّما يمثّل اللّهَ تعالى وينطق باسمه وينفّذ أوامره إذ ليس هو إلّا مرسلًا من قبل الله: “أُرسل الملاك جبرائيل من قبل الله”. لذلك فإنّ الكلام عن الملاك جبرائيل هو في الواقع كلام عن لسان اللّٰه تعالى، عن عمل اللّٰه تعالى بأقانيمه الثّلاثة في حدث البشارة.

٢-١-  اللّٰه فينا

فماذا عمِل الله؟ إنّ الله تعالى قد استحوذ على الفتاة مريم استحواذًا كاملًا، كما نستنتج من الإنجيل: فالرّوح القدس أتى عليها، حلّ عليها، والآب ظلّلها، والابن حلّ في بطنها. وهذا كلّه يعني أمرًا واحدًا هو أنّ اللّٰه تعالى بأقانيمه الثّلاثة، أيّ اللّٰه تعالى بكامله، قد أتى إلينا نحن البشر الّذين تمثّلهم الفتاة مريم، وحلّ فيما بيننا، وسكن فيما بيننا، بل إنّه تجسّد وصار إنسانًا مثلنا بشخص الابن.

٢-٢-  اللّٰه معنا

وما هو أكثر من ذلك أنّ تنازل اللّٰه إلينا وتجسّد الابن ما كانا عملًا عابرًا أو وقتيًّا. إنّهما عمل دائم لا رجوع عنه. وهذا ما نستنتجه من أنّ الملاك قال لمريم إنّ ابن اللّٰه المولود من مريم اسمه “عمّانوئيل” أيّ اللّٰه معنا. أجل لقد صار اسم اللّٰه “الله معنا” أيّ معنا نحن البشر. فالله هو حليف لنا على خلاف ما يعتقد البعض من أنّ اللّه هو عدوّ لنا.

٢-٣-  اللّٰه مخلّص

أمّا الغاية الأخيرة الّتي من أجلها جاء اللّٰه تعالى وتنازل إلينا وصار معنا وتجسّد ابنه ووحيده وصار إنسانًا مثلنا فهي أن يمنحنا الخلاص: “وتسمّينه يسوع” (لوقا)، “فتسمّيه يسوع لأنّه هو الّذي يخلّص شعبه من خطاياهم” (متّى). إنّ اسم يسوع أو يشوع يعني المخلّص. أجل لقد تمّ سرّ التّجسّد بكلّ أحداثه من أجل هذه الغاية: أن يخلّص اللّٰه الإنسان من الخطيئة والشّرّ والموت ومن كلّ ما يمتّ إليها بصلة. وهذه هي البشرى، هذه هي البشارة الّتي نعيّد لها اليوم والّتي بقيت سرًّا في قلب مريم ويوسف إلى أن أعلنها اللّٰه على لسان الملاك أيضًا للنّاس أجمعين في ليلة الميلاد المجيدة قائلًا للرّعاة: “إنّي أبشّركم بفرح عظيم: قد ولد لكم اليوم مخلّص وهو المسيح الرّبّ”.

٠٣ – معايدة

وبهذه البشرى، بهذه البشارة تبشّرنا الكنيسة اليوم وتذكّرنا بأهمّيّتها في حياتنا نحن المسيحيّين داعية إيّانا إلى الفرح كما دعا الملاك مريم العذراء “افرحي” (السّلام عليك)، وكما دعا الرّعاةَ أيضًا في ليلة الميلاد: “إنّي أبشّركم بفرح عظيم”.

إنّ عيد البشارة هو محطّة لنا في مسيرة الصّوم، في زمن الصّوم، تذكّرنا بأنّ الفرح هو غاية الصّوم وليس الحزن. نحن نصوم ونصلّي لكي نفرح مع الرّبّ يسوع. وليست غاية الصّوم أن نحزن أو أن نعبس كالمرائين، بل أن نفرح نحن وأن ننشر الفرح في من حولنا لكي يتمجّد اسم الرّبّ يسوع فينا وبنا. آمين.”

‫شاهد أيضًا‬

الثلاثاء الخامس من الصوم الكبير

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى طيموتاوس 8:1:1 يا إخوَتِي، مِنْ بولُسَ رَسُولِ المَسِيح…