يناير 17, 2020

عون شارك الرّهبانيّة الأنطونيّة بعيد أب الرّهبان

عون شارك الرّهبانيّة الأنطونيّة بعيد أب الرّهبان

لمناسبة عيد القدّيس أنطونيوس الكبير، ترأّس الرّئيس العام للرّهبانيّة الأنطونيّة الأباتي مارون أبو جودة القدّاس الاحتفاليّ الذي أقامته الرّهبانيّة في كنيسة دير مار أنطونيوس الحدت، وعاونه فيه رئيس الدّير والمعهد الأنطوني الأب جورج صدقة، والأب القّيم بيار صفير.

حضر القدّاس رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون واللّبنانيّة الأولى ناديا الشّامي عون، وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل، والنواب: بيار أبو عاصي، آلان عون وحكمت ديب، الوزير السّابق ناجي البستاني، النّائب السابق ناجي غاريوس وزوجته، قائد الجيش العماد جوزاف عون وزوجته، المدير العام لرئاسة الجمهوريّة الدّكتور انطوان شقير، المدير العام لوزارة التّربية فادي يرق، مدير المخابرات العميد طوني منصور، مدير مخابرات جبل لبنان العميد كليمان سعد، قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، رئيس بلدية الحدث جورج عون وزوجته وعدد من الرّهبان الأنطونيّين.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الأباتي ابو جودة كلمة استهلها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام بالتّرحيب بالرّئيس عون والسّيّدة الأولى وقال: “بكثير من الغبطة نستقبلكم، يا فخامة الرّئيس، برفقة السّيّدة الأولى، مع صحبكم الكريم، في ديرنا، مار أنطونيوس الكبير، الحدت. هذا الدّير الرّابض على تلّة تواجه القصر الجمهوريّ، وتنير مسيرة العاصمة لا بل تنير الوطن كله بالوطنيّة والتّربية والرّوحانيّة. شرّفتمونا، يا فخامة الرّئيس، بحضوركم المحبب بيننا”
فرحتي كبيرة اليوم أن نتشارك معًا في الذّبيحة الإلهيّة لمناسبة عيد مار أنطونيوس في دير مار أنطونيوس الكبير في الحدت – بعبدا، هذا الدّير قد تأسّس سنة 1764، على اسم القدّيس أنطونيوس الكبير، أب الرّهبان، وقد تميّز منذ إنشائه بالانفتاح الدّينيّ والوطنّي والعلميّ، كما كان ولا يزال منارة روحيّة واجتماعيّة وتربويّة وواحة صلاة وتأمّل ومكان راحة للنّفوس. فمنذ التّأسيس، والرّهبان الأنطونيّون يعملون جاهدين لأن يكون حضورهم مميّزًا على مساحة الوطن في السّلم كما في الحرب. “إن شئت أن تكون كاملًا، امض فبع كلّ مقتناك وأعطه للمساكين، وهلمّ فاتبعني، فيكون لك كنز في السّماء.” (متى 19/20).

وأضاف: “كلام يسوع، سمعه أنطونيوس الشّاب، وبدون أيّ تردد، عمل به، فترك كلّ شيء وتبع المسيح، مؤمنًا بأنّ كنزه في السّماء كبير جدًا وغير زائل. لذلك نراه يقطع علاقته مع العالم، ويعطي أخته نصيبها من الميراث الوالدي، ويوزّع حصّته حتّى آخر فلس على المحتاجين ليعيش الفقر المطلق والتّجرد الكامل متحررًا من كلّ رباط دنيويّ، كي يتفرغ لعبادة الله وحده في حياة نسكيّة وتقشفيّة. هذا “التّرك” جذب الكثيرين ليعيشوا على غرار أنطونيوس، مكرّسين حياتهم للرّبّ، متحرّرين من كلّ القيود الدّنيويّة، ملتزمين بعيش القيم الإنجيليّة من فقر وطاعة وعفّة وتواضع وغفران وتوبة.
إنّنا نجهد النّفس اليوم لنحافظ على هذه الرّوحانيّة في الحياة الرّهبانيّة على الرّغم من أنّ المعايير والمعطيات والمفاهيم قد تغيّرت تغيّرًا جذريًّا، غير أنّ الأساس واحد باقٍ هو هو: “اللّحاق بيسوع المسيح”.

وأكمل: “من عاداتنا الرّهبانيّة في هذه المناسبة، أن نعيد النّظر في التزامنا بدعوتنا، فنصوّب الاتّجاه إذا شردنا، ونقوّم الاعوجاج، ونطلب الغفران، ونجدّد التزامنا بتركنا العالم لنربح المسيح. من هنا ندائي لكلّ راهب أنطونيّ، بأن يقوم بفحص ضمير، ويجدد التزامه بالحياة الرّهبانيّة، التي اعتنقها بكامل وعيه وحرّيته، والقائمة على الصّلاة والعمل. كما أدعو كلّ مسيحيّ إلى أن يجدد التزامه بمواعيد معموديّته، حتّى يعيش تعليم يسوع ويزرع الأمان والسّلام في محيطه كانعكاس للسّلام الذي يستقيه من علاقته بالله تعالى.
صاحب الفخامة، أيّتها السّيّدة الأولى، أيّها الحضور الكريم، لقاؤنا السّنويّ هذا، محطّة مقدّسة نرفع فيها معا صلاتنا إلى الله العلي ليحفظكم ويحفظ عائلتكم العزيزة وكلّ عائلات الوطن بشفاعة “كوكب البرّيّة” القدّيس أنطونيوس الكبير. على الرّغم من أنّ المناسبة فرحة، لكنّ في قلوبنا غصّة كبيرة، إذ نرى كيف ينهار الوطن وكأنّنا أصبحنا عاجزين عن إيجاد الحلول النّاجعة حتّى نوقف الهدر والسّرقة ونبدأ ببناء وطن “نظيف”، خالٍ من كلّ سياسيّ فاسد، وبعيد عن هدر المال العام الذي يخصّ كلّ مواطن لبنانيّ.
فخامة الرّئيس، الشّعب اللّبنانيّ، ما زال يتطلّع إليكم كخشبة خلاص له، مستذكرًا جرأتكم ضدّ الفساد ومستغربًا ما آلت إليه الظّروف اليوم. الكلّ يناديكم يا فخامة الرّئيس لإيجاد الحلول ولقطع يد كلّ سارق وناهب المال العام مهما علا شأنه وارتفع مركزه. الآمال الكبيرة ما زالت معقودة عليكم، وكلّ لبنانيّ، لأيّ عائلة دينيّة انتمى، يعلم أن لا ملجأ له سوى سيّد بعبدا، “بيّ الكل”، حامي الدّستور الذي ينتهك يومًا بعد يوم من مسؤولين يفترض بهم أن يؤازروكم في حمل مسؤولية الوطن، غير أن مصالحهم الشّخصيّة والضّيّقة تتحكّم بقراراتهم وتشغلهم عن التّفكير بالمصلحة العامّة التي تقتضي أن يضحّوا بذواتهم من أجلها.
نعم يا فخامة الرّئيس، نحن نعلم أنّكم تكافحون وتجاهدون للحفاظ على الوطن وتعملون ليل نهار ضدّ أعداء يتربّصون للإطاحة بهذا الوطن الرّسالة. نحن نعلم أنكم تقفون شامخين كي تردّوا الطّامعين بأرض لبنان وموارده والذين يعملون على تركيع شعب عظيم ليضعوا أيديهم على ثرواته الطّبيعيّة التي هي من حقّ كلّ لبنانيّ أن يتنعّم بها.

اللّبنانيّون كلّهم منتفضون على واقع حياتهم المعيشيّة، الذين خرجوا إلى الطّرقات والسّاحات كما الذين بقوا في بيوتهم، هم على يقين بأنّ لبنان سيعود يومًا إلى “عزّه” ولكن يتمنّون العودة القريبة ليتمتّعوا به ويكملوا مسيرة حياتهم بكرامة وبدون تسوّل. الشّعب اللّبنانيّ ينتظر من فخامتكم أن تضمنوا له العيش الكريم والأمان والسّلام، الشّعب اللّبنانيّ يتمنّى عليكم مسك زمام الأمور الماليّة لتحافظوا لهم على جنى عمرهم الذي ادّخروه بعرق جباههم، الشعب اللّبنانّي يحلم أن يتوقّف يومًا ما عن المطالبة بحقوقه الطّبيعيّة من طبابة وتربية وضمان شيخوخة وغيرها… الشّعب اللّبنانيّ يحلم بأن لا يبقى سلعة بيد السّياسيّين الذين يبيعونه ويشترونه بحسب منفعتهم الخاصّة، فيذلّونه ويهدّدونه بلقمة عيشه.
فخامة الرّئيس، اللّائحة ما زالت طويلة، وأنا، كما كان مار أنطونيوس ينقل شكاوى النّاس وهمومهم إلى المسؤولين، أنقل بدوري شكاوى النّاس وهمومهم إليكم. أطلقوا أيدي القضاة الشّرفاء، ارفعوا الصّوت عاليًا بوجه كلّ السّياسيّين المنافقين، أيًّا كانوا، افتحوا أبواب السّجون لتستوعبهم، أخرجوا منها المظلومين ليدخل هذا الطّقم السّياسيّ الذي دفع بهم إلى السّجن، ففخامتكم تعلمون علم اليقين من هم الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى الحضيض، تعرفونهم بأسمائهم وأنتم وحدكم تملكون الجرأة لتسميتهم ومحاكمتهم. أنتم أمل اللّبنانيّين فلا تخذلوهم.
فخامة الرّئيس، كم كان بودّنا اليوم أن نبارك لكم وللبنان بولادة الحكومة العتيدة التي طال انتظارها. فاللّبنانيون كلّهم ينتظرون بفارغ الصّبر تأليفها لتكون جسر العبور بالوطن من حالة الفوضى والغليان إلى حالة الاستقرار والأمان. كم كنّا نرغب بأن تكون فرصة تشكيل الحكومة مناسبة للمسؤولين ليتصالحوا مع ذواتهم ومع بعضهم بعضًا ومع شعبهم. غير أنّه وللأسف، كشفت هذه المسألة عورة السّياسيّين والمسؤولين غير المسؤولين الذين ما زالوا يتعاطون مع شؤون الوطن كقطعة “جبن” للتّقاسم. نرى كلّ واحد منهم يتمترّس في خندقه ويختبئ وراء محازبيه، ضعاف النّفوس، محاولًا المحافظة على مكتسباته وحصصه، وكأنّ الوطن بألف خير ولا يعاني من أزمة ماليّة واقتصاديّة، لا بل أقول من أزمة وجوديّة قد تطيح بهم. لقد بدأنا نخاف من سقوط الهيكل على رؤوس الجميع”.

وإختتم ابو جودة شاكرًا حضور الرّئيس عون والسّيّدة الأولى “لنحتفل سويًّا بعيد شفيع رهبانيّتنا وشفيع ديرنا. إنني أشكر كلّ الحاضرين اليوم معنا للصّلاة. كما أشكر حضرة الفاضل الأب جورج صدقة رئيس الدّير، وجماعة الرّهبان على اهتمامهم بتنسيق هذا اللّقاء، وأرفع صلاتي وصلاة رهبانيّتنا الأنطونيّة على نيّتكم لتبقوا رافعين راية الحرب، الحرب على الفساد والفاسدين وعلى نيّة وطننا الغالي لبنان سائلين ربّ السّلام أن يمنحه السّلام الذي لا يزول ويحمي كلّ لبنانيّ مخلص بشفاعة القدّيس أنطونيوس وبركة الثّالوث الأقدس الآب والابن والرّوح القدس. آمين. كلّ عيد وأنتم بخير”.

وكانت كلمة للأب صدقة كلمة جاء فيها: “ككلّ سنة يجمعنا عيد القدّيس أنطونيوس في ديره، فأهلًا وسهلًا بفخامتكم، فأنتم أصبحتم من أهل البيت، لا بل من جمهور الرّهبان الذين يحاولون أن يتبعوا مسيرة القدّيس أنطونيوس بالإيمان والشّجاعة والتّجرد. قد يتساءل البعض عن اللّقاء هذه السّنة حيث تمرّ البلاد في نفق مظلم، فإنّنا من أجل ذلك نصرّ على اللّقاء لأنّ إيماننا يدفعنا أن نتحدّى الحدث والظّلمة ونزرع الرّجاء في القلوب، فالمسيح سيّد الرّجاء حيث لا رجاء. نلتقي لنصلّي مع أنطونيوس الذي بالصّلاة حارب الشّرير وانتصر ليعطينا الشّجاعة، ونصبر ونجاهد حتّى ينتصر لبنان على الشّرّ والظّلام والموت.
ومن فضائل مار أنطونيوس الموقف الحازم والشّجاع عندما سمع صوت الرّبّ بالإنجيل: إذا أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كلّ شيء واعطه للفقراء وتعال اتبعني. لبّى القدّيس الدّعوة بموقف حازم وصارم بدون تراجع، وكثيرون فهموه خطأ واعتبروا أنّ استقالته من حياة العالم هي هروب من مواجهة الحياة وخوف وجبن، بينما ذهاب هذا القدّيس إلى الصّحراء التي ترمز إلى الشّرّ والفراغ، هو موقف شجاع وبطوليّ لأنّه ذهب إلى محاربة الشّرير في عقر داره، وهذا الإيمان وهذه الشّجاعة وهذا الحزم جعلوه ينتصر. زد اللّهمّ الشّجاعة والحزم لرئيسنا لينهض بهذا البلد ويعود إلى ازدهاره.
فخامة الرّئيس، اسمحوا لي أن أضيء على الأزمة التي تمرّ بها المدارس وهي حالة خطيرة لأنّه متى فقد البلد العلم والثّقافة، فقد مقوّمات الحياة والتّقدم. فخامة الرّئيس، نحن بانتظار تشكيل الحكومة لأنّ الوقت بدأ ينفذ والجوع على الأبواب والمرض لا يرحم والمصارف تتعثّر… لا يكفي أن تشكّل الحكومة بل أن تكون فاعلة ومن أصحاب الضّمير، وإعطاء دور للشّباب، لأنّ الثّورة اشتعلت كالنّار في الهشيم، ونخاف أن تأكل الاأخضر واليابس وتصل إلينا جميعًا. فحكمتكم ورأيكم السّديد هو الخلاص”.

وتوجه الأب صدقة بالتّحيّة إلى القوى الأمنيّة وخصوصًا إلى الجيش اللّبنانيّ وعلى رأسه القائد العماد جوزاف عون، “على كلّ الجهود التي تبذلها بتوجيه من فخامتكم، من أجل الحفاظ على الأمن وتجنيب البلاد الفوضى والحرب الأهليّة والطّائفيّة التي تلوح في بعض المناطق. فلكم كلّ الشّكر والدّعم ليبقى سلاحكم الشّرعيّ وحده على أرض لبنان الحرّ المستقلّ. لكن اسمحوا لي أن ألفت النّظر ولو بخجل، إلى تصرّفات بعض الأفراد الذين يسيئون إلى المؤسّسة والقيادة قبل الإساءة لبعض النّاس أو الطّلاب. واسمحوا لي، فخامة الرّئيس، أن أكرّر التّركيز على أهميّة المصالحة المسيحيّة التي هي أساس المصالحة الوطنيّة، أخذ الله بيدكم. واسمحوا لي أيضًا، أن أشكر أمامكم معالي الوزير باسيل، والنّواب الكرام، وقدس الأب العام، وبنوع خاصّ رئيس بلديّة الحدت السّيّد جورج عون على جهوده وأعماله ومواقفه المشرّفة، وكلّ الفعاليّات الحاضرة والمحبّين”.

ثم قدّم الأباتي ابو جودة والأب صدقة إلى الرّئيس عون أيقونة السّيّدة العذراء من صنع المعهد الأنطونيّ في الدكوانة كهديّة تذكاريّة.

‫شاهد أيضًا‬

في خميس الأسرار…

تيلي لوميار – نورسات – مارلين صليبي هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كم…